الأحد، 27 أغسطس 2017

حلايب في التراث: شعراً ونثراً ورأياً وحزماً

الخبر الرئيس ليوم 14/8/2017م بالخط الأحمر (بالصفحة) الأولى بجريدة (الإنتباهة) يقول: (إزالة 26 منزلاً في حلايب).
 فلما قرأته أزعجني تمادي حكومة مصر السيسي في التطاول علينا. فقلت وصاحب الكشك وثاني بجوار يسمع: لماذا لا نرد عليه بحزم لاسيما وكلمة السيسي من المشترك المعنوي كأسد وريم. يطلق على حصان قزم بحديقة الحيوان بالجيزة بمصر؟.
أجاب الثاني وهو شاب مربوع القامة بسن 27 تقريباً. الأفضل ألا يردوا. لأنهم لو ردوا ستكون فتنة. فدهشت لرده. فقلت: أي فتنة أكبر بعد سلب أرض الوطن بالقوة؟! ودهشت أكثر لما علمت منه أنه من شرق السودان!. فلما ذهب قال صاحب الكشك: يبدو أنه من مخابرات السيسي. قلت: إذن.. حاميها حراميها؟!
واستدعى ذلك عدة ذكريات عن حلايب، رأيت ذكرها تباعاً علها تفيد بصورة او بأخرى. وإليك هي:1
1/ كان يسكن شرق ساب جزيرة حمور(الساب بالدارجة راس الجزيرة الشمالي يقابله الكُنج "بضم الكاف" رأس الجزيرة الجنوبي) عرب خُلَّص. منهم أسرة عبده وزوجته بنت عمر كان بين هذه الأسرة وأسرة جدي لأمي احمد عبد الرحمن حمور المشهور بـ(احمد باشا)، من الحموراب دون غيره ود صادق أدى الى شراكة
في ناقتين وجمل. وكانت بنت عمر عند زياراتنا لهم تقول لي وأنا بالرابعة(البشاري) لشعري الأشبه بشعر العرب الخلص أعني السبيب السادل. وفيما بعد علمت أن البشاريين إحدى قبائل شرق السودان. وبالتحديد الذين يسكنون منطقة حلايب. لهم جمال لا مثيل لها في السودان، بل العالم قاطبة لسرعتها وصبرها
على طول الطريق كما تتميز قامات البشاريين بالميل للطول.
ورقة القامة من غير هزال ولا مرض. وهو (الشّخت). بالفصحى. هذا في النثر: اتذكر
2/ ومن الشعر للسيد صالح دار كتاب طبع عام 1963م. لا أتذكر عنوانه ولكن مساجلة شعرية في وصف أحدهم جمله البشاري وردّ الآخر عليه. قال الأول:
(بشد باركب علي ود البشاري) (فريوة الريف مع المحزم تجاري) (بت عجلان قبل ما ألم حكاري)
شرح الكلمات:
(فريوة) تصغير لتعظيم لا التحقير . (الريف) مصر. المعنى صناعة مصرية (المحزم) الحزام وهو الغُردة . بضم القاف.
(حكاري) الحكر هو الحجر فلتقي الفخذين الأمامي. الشاهد في نشاط جمله وسرعة قيامه
ردّ عليه الشاعر الآخر بذات كلماته عدا كلمة القافية. وهنا تظهر براعته فقال:
(بشد بركب على الـ ياخدله عنّه (فريوة الريف مع المحزمة متنّة) (يتب عجلان قبل ما أ لم رسنّا)
شرح الكلمات:
(عنّة) للجمل 3 اصوات هدر/ رغي/ وعنّه. العنة يقولها الجمل لطلب الترفق به . والرغي للتعبير عن الالم. ومنه المثل (المحمولة رغّاية) اما الهدر ففي حالة الهياج وفرط القوة. (فريوة والمحزم) هما كالسابق الا انهما اطول (رسنا) معلوم من الشعر او الجلد. به يحكم سير الجمل (ياخدله ) يا خذ له للأول، لأن الذي يسبق
لم الرسن الأهون وأسرع من الذي يتب بعد الحكام الأطول زمناً من لم الرسن. بالإضافة الى أنه أعاد ذات كلماته عدا كلمة القافية. هذا في الشعر
وآخر في الشعر أيضاً
قبل الاستقلال في 1/1/1956م كان بالسودان حزبان الأمة الداعي الى الاستقلال والاتحادي الداعي لوحدة وادي النيل تحت التاج المصري (الآن أكثر من 80 حزباً بعد أن بردت الحارة) ثم تطورت الأحداث الى حد أن الرئيس أزهري أعلن الاستقلال من داخل البرلمان. وأيد الاتحاديون كلهم استقلال السودان كحزب الأمة.
منهم حاج محمد ود البيه ناظر عموم الجعليين. ومساق الحديث كان له شاعر قومي اسمه حمدان كالمتنبئ لسيف الدولة. فقال مسدار دوبيت من أبلغ ما قيل في تأييد الاستقلال وهو:
(سيب الوادي شبر في الأرض ما بندي) (إلا مراكب العدو في دمانا تعدي) (ما بننسى القديم قلوبنا ما بتصدي) (أهلق تاراً قيل جرحه ديمة مندي)
شرح الكلمات:
(ما بـ/ندي) الباء داخلة على الفعل لهجة سوادنية مضطردة (الا) او علا بقلب الهمزة عينا لهجة سودانية مضطردة ايضاً تفادياً لنطق الهمزة الثقيل لقريش في العرب (ما بـ/ننسى ) كالسابقة (بـ/تصدي) بالمثل ايضاً تاراً قبيل اصلها ثأراً كالسابقة بقلب الثاء وحذف الهمزة (ديمة) اصلها دائماً لهجة سوانية. (مندي) لا
يبرأ لماذا؟ قديماً لا يعرف الآن الإصابة المجروح بداء السكري. والإشارة الى حروب المصريين السابقة بالسودان.
ومن شعره القريب من هذا في هذا المعنى وليس به. او الهجاء والحكمة.
ومناسبة المسدار إنه مدح لشخص كثير العطاء فلم يعطه شيئاً. فقال في هجائه مخاطباً نفسه.
(مدحك آخره لأهل المكارم سنّة) (سيف البالة ما بيقطع قدر ما تسنّه)
(لفظة يكيفك ويعجب الوارثنّة) (مو قضّاي غروض ساكت بغر بي سنّه)
شرح الكلمات:
(سنّة) انتظر به أهل المكارم . (سيف البالة) شريط من جديد بعرض بوصة تربط به بالة القطن والجوالات. يصنع منه الأحداث سيوفاً للعب (سنّه) شحذه بالمسن أو المبرد. (ما بـ/ يقطع) بالباء داخلة على الفعل كالسابق. (يكيّفك) يحسنا لقول بلا فعل. (غروض) جمع غرض وهو في هذا عكس من قالوا فيه امدح بيت في
الشعر العربي. وهو عبد العزيز بن مروان والد عمر بان عبد العزيز والبيت هو:
يقول فيحسن القول ابن ليلى (ويفعل فوق احسن ما يقول)
وفي معنى هجاء حمدان قال المتنبي:
( اذا أنت أكرمت الكريم ملكته) (وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا)
وقد أكد الجنوبيون ما قال المتنبئ قبل الف عام بأحداث خور الورل. والعاقل من اتعظ بغيره يا كاشا والي محافظة كوستي. يلا حظ أن حمدان والشاعرين قبله يلتزمان بثلاثة أحرف لا اثنين فقط كالمعري.
هذا ما كان من أمر الشعر في حلايب بعده نأتي الى الرأي والحزم.
3/ وأقرب من هذا بالتجربة بعهد الرئيس عبد الله خليل طمع الرئيس جمال عبد الناصر في حلايب وأرسل جيشاً لاحتلالها فاحتلها بالفعل. فما كان من الاميرلاي عبد الله خليل إلا أن ردّ الاعتداء بالفعل أكرر ردّ الاعتداء بالفعل لا بالقول. ولم يدر خده الآخر للصفعة الأخرى. ومازلت أتذكر احتشاد السودانيين بمحطة الخرطوم
لتوديع الجنود. والجنود بعربات البضاعة المكشوفة يصرخون صرخات الحرب والتحرق للمواجهة فتراجع عبد الناصر وسحب جيشه وانتهى الأمر.
حقاً (الاسكندراني يخاف ما يختشيش) كما يقول المثل المصري. والآن بعد 69 سنة تعيدها مصر السيسي.
وأين: أحفاد عثمان دقنة الذي أهديت له كتابي ( من تاريخ السوان بالأحداث والأحاديث وللزبير باشا رصيفه. والذي دوَّخ الإنجليز بالقطاوزي. والذي عندما ذهب الى كردفان وبايع المهدي وأمرّه علي الشريف قام وفدّ الزريبة بالشرق وخرج منها به لئلا يتجه الى باب الزريبة الذي دخل به بالغرب دقة في تنفيذ أمر القائد الأعلى.
لهذا أرى أن يكوَّن جيشاً من أبناء الشرق باسم فرقة عثمان دقنة وعلى الدولة أن تمدهم بالسلاح لا بالرجال ولا بالرأي.
بهذا تعود حلايب للبشاريين لا بالسياسيين والتصريحات السياسية الانشائية. ويعود البشاريون . وتراث الجمل البشاري والتغني به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق