الاثنين، 7 أغسطس 2017

ما أشبه الليلة بأحداث 1955م.«خور الورل»… نقطة وسطر جديد

ربما لا تملك الحكومة الان تفسيراً لاحداث معسكر «خورالورل» بالنيل الأبيض الذي شهد اعتداءات اقل ماتوصف به انها «عنيفة» من لاجئين جنوبيين ضد المواطنين…فالحكومة منذ العام 2013 ظلت تردد انها تستقبل مواطني الجنوب الفارين من نيران الحرب والجوع بانهم رعايا يتمتعون بكافة الحقوق مما ازال عبئاً ثقيلاً عن الامم المتحدة كان يجب ان تتحمله…فمواطنو المناطق الحدودية بل حتى المدن الكبيرة استقبلوا اللاجئين ومنحوهم اراضي لاقامة معسكرات للاقامة وممارسة نشاطهم الزراعي.. بل ان اللاجئين الجنوبيين أقاموا معسكرات في قلب العاصمة.. وهي في الاصل مخالفة للقوانين الدولية.. وعندما ازالت الحكومة هذه المعسكرات احتجت حكومة الجنوب دون الرجوع الى نص قانوني…
أصل الرواية…
الحكومة الان امام تحد جديد ..وهي قضية معسكر خور الورل بولاية النيل الأبيض.. وهي في مجملها انتهاك لحقوق مواطني الدولة المضيفة… وتقول الرواية ..اندلعت أعمال عنف ب«مخيم خور الورل» بولاية النيل الأبيض في خواتيم الاسبوع الماضي أسفرت عن اغتصاب 4 معلمات وحرق لمرافق من ضمنها مقر الشرطة…وتشير الرواية الى ان الشرارة الاولى للحدث كانت باتهام احد اللاجئين بقضية سرقة..واضطرت الشرطة للتحري معه واحتجازه.. الا ان الشائعة راجت بوفاته ممادفع اللاجئين للاحداث.. واتضح فيما بعد ان المتهم حي…واستنكر عدد كبير من مواطني الولاية الاحداث.. وقالوا ان مثل هذا السلوك مرفوض جملة وتفصيلا..
واشار عدد من المواطنين في حديثهم ل«الصحافة» ان هذا جزاء المعاملة الحسنة التي وجدها اللاجئون من الجنوب… وتفقد وزير الدولة بوزارة الداخلية بابكر دقنة الأوضاع بالمعسكر بمرافقة حمد الجزولي معتمد اللاجئين ونوريكو يوشيرا مندوب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالسودان واندرو ميقودي مدير العمليات الخاص باللاجئين الجنوبيين بالسودان…
وأكد دقنة أن القانون سيتم تطبيقه على اللاجئين وغيرهم من الذين تسببوا في الأحداث، وأعلن عن اتخاذ عدد من التدابير الخاصة بالدخول الى المعسكر أهمها مراجعة عمليات الحصر والتسجيل لدخول المعسكرعبر لجنة شكلت لهذا الغرض…
وأشار الى أن اجتماعا ضم الوفد بزعماء وشيوخ المعسكر وتنويرهم بما اتخذ من قرارات وترتيبات داخل المعسكر لمزيد من نشر الطمأنينة والأمن والحد من أي تفلتات قد تحدث.
ان احداث خور الورل بالنيل الأبيض تمثل سطرا في رواية جديدة ، لابد من القيام بها من حيث المراجعة والتسجيل ومنع التسلل من المعسكرات الى المدن.
احترام القوانين!
وأوضح وزير الدولة بالداخلية أن المندوب السامي أكد احترامه الكامل للقوانين التي تحفظ السلامة العامة وتضبط كل من يتسبب في نشر الفوضى، وأشار إلى أن الأوضاع مستقرة بالمخيم عبر تأمين قوات الشرطة والأجهزة الأمنية الاخرى للمعسكر…
من جانبها نددت ممثل المندوب السامي لشؤون اللاجئين نوريكو يوشيدا بالأحداث التي شهدها المعسكر، مشيرة الى أن الزيارة اتت لمعالجة الأمر مع المسؤولين…وأعلنت تضامنها مع الضحايا وأسرهم.. وشددت أن القانون يجب أن يطبق على الجميع بلا استثناء.. داعية الى رفض العنف وأن يعمل الجميع وفق القانون، وناشدت المواطنين المحافظة على الأمن والسلام الذى ينتظم كل المعسكرات.
وأشار معتمد اللاجئين حمد الجزولي الى اتخاذ التدابير الكفيلة بحماية اللاجئين وضبط المتفلتين منهم واتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهتم عبر التنسيق مع المندوب السامي الذي وقف على تلك الأحداث وأدان مرتكبيها….
في ذات السياق أعلنت حكومة ولاية النيل الأبيض امس الاول بدء التحقيق مع 78 متهماً في الأحداث الأخيرة بمعسكر «خور الورل» التي أدت إلى إتلاف مستودعات الأغذية الخاصة بالأمم المتحدة وحرق أجزاء من المخيم واعتداءات على معلمات…وقال والي الولاية عبد الحميد كاشا إن الحكومة لن تتهاون في محاكمة الجناة وعد ذلك «رسالة لكل الخارجين عن القانون»….وأكد كاشا تعامل الولاية مع اللاجئين الجنوبيين كمواطنين، مشيرا إلى أن استضافتهم تُعد حالة إنسانية….وأدانت وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي مشاعر الدولب، الأحداث ودعت إلى إنزال العقاب الرادع على الجناة، وأكدت وقوفها مع الولاية في حماية المدنيين ومؤسسات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة العاملة في الحقل الإنساني…
توريت يا«وكر الدسائس»!!
كل ذلك الحراك الرسمي حول القضية جاء بعد حدوث الحادثة.. لكن السؤال هنا الا يمكن وضع قوانين واسس يجب التعامل بها مع اللاجئين؟.. ولماذا الشائعة دائماً هي العنصر المشترك في كل الاحداث الدامية بين الشمال والجنوب؟… ففى العام 1955 كانت بداية حدث دموي وقع على شماليين بيد الجنوبيين ..وكتب
فيها الشاعر الهادي ادم قصيدة بعنوان «توريت»…
توريت يا وكر الدسائس والخديعة والـــــدم
قد طال صمتك في الدجى هل آن أن تتكلمي
الغاب مطرقة الغصون على دجاك المـعتم
والصمت والليل الرهيب وخادعات الأنجم
لا شئ غير الريح تنفخ في رمــــــاد المأتم…
وتعود تفاصيل الحادثة الى انه تم اعلان الغاء سياسة المناطق المقفولة والحاق قوة دفاع جنوب السودان بالجيش السوداني تحت اسم الفرقة الجنوبية و قيادتها في توريت…. سبب هذا القرار تذمراً كبيراً وسط جنود هذه الفرقة حيث اشيع ان القوات الشمالية قادمة للقضاء عليهم..وقد تولى نشر هذه الاشاعة مفتشو المراكز الانجليز الذين وقف بعضهم ضد الغاء سياسة المناطق المقفولة و عدد كبير من رجال الكنيسة…. أعطيت التعليمات للبلك نمرة 2 من الفرقة الجنوبية بالسفر الى الخرطوم للاشتراك فى الاحتفالات بجلاء القوات البريطانية… فى يوم 18/8/1955 تجمع البلك نمرة 2 فى ميدان الطابور داخل مقر القيادة الجنوبية بتوريت و أعطيت لهم تعليمات السفر و التحرك الى جوبا فى شكل بلتونات ليستقلوا الباخرة الى الخرطوم يومها وقع التمرد المشئوم وقتل فى توريت و حدها 78 من التجار و الموظفين و المعلمين و النساء و الاطفال..
أحداث الاحد«الدامي»…
لم تقف الاحداث التي تسببت الشائعة فيها عند هذا الحد بل حملها التاريخ ماجرى من دمار في ولاية الخرطوم وماجاورها في ديسمبر من العام 1964حيث سرت شائعة وفاة كلمنت امبورو وهو اول جنوبي يتولى وزارة الداخلية ومن مؤسسي حزب الاحرار ومشارك في مؤتمر جوبا عام 1947م… كان مقرراً عودته من زيارة تفقدية للمديريات الجنوبية…. واحتشد عدد كبير من ابناء الجنوب في مطار الخرطوم لاستقباله…. إلا ان طائرته تأخرت في الوصول لوقت سمح بتسرب العديد من الشائعات عن مقتله… مما دفع تلك الحشود للخروج من المطار في فوضى احدثت خسائر فادحة في الارواح والممتلكات،.. وامتدت تلك الفوضى وذلك الشغب ليعم الخرطوم واطرافها.. واخذ المتظاهرون كتابة اسماءهم ووضعها في جيوبهم مما يعني استعدادهم للموت…ومن ثم كانت ردة الفعل عنيفة للغاية الاحصاء الرسمي يذكر ان الضحايا 14 قتيلاً و400 جريح من الجانبين …..لكن حقيقة الامر وصل كلمنت امبورو للخرطوم وماتت الاشاعات التي صاحبت عودته والتي دفع ثمنها الكثير من المواطنين الأبرياء.. وعمقت تلك الاحداث جراح عدم الثقة بين الشـمال والجنوب..
دماء الأبرياء…
وفي العام 2005 تجدد سفك دماء الابرياء عبر احداث الاثنين الاسود…الكل يراقب التلفاز .. الكل ينتظر ..خبر هبوط الطائرة بسلام .. وكل حسب منظوره .. أعضاء الحركة الشعبية وقادة الحكومة يلتزمون الهدوء التام .. وجموع المواطنين تترقب بحذر وتمني وخوف وقلق ..
مسئول يوغندي يؤكد تحطم الطائرة ووفاة د. جون قرنق.. والنفوس الجنوبية مشحونة بالحزن والغضب والنفوس الشمالية مشحونة بالحزن و الألم .. هكذا كان المنظر …قال وقتها احد الجنوبيين الغاضبين « يموت 100 جنوبي ما مشكلة لكن ما يموت جون قرنق»  .. تم دس الشرارة وسرت الشائعة بان قرنق تم اغتياله.. وقطاع كبير من أصحاب الفوضى والمجرمين ..استغلوا الم الفقد .. في إحداث كارثة هزت أركان المدينة الهادئة الخرطوم .. وفي لحظات أصبح كل شمالي هدفا… مشروع الحريق والتحطيم امتد للسيارات الحكومية والخاصة وللمحال التجارية ولم تسلم الأنفس هل كانت غضبة عفوية انطلقت في آن واحد؟!..
تخطي القوانين..
وباحداث معسكر«خور الورل» ومواقف الحكومة تجاه اللاجئين.. هل «فتحت» الحكومة على نفسها نافذة لتتحمل اوزار اممية ودولية تجاه اللاجئين؟..وهل يمكن إزالة المرارات والاحقاد المتجذرة في صدور الجميع منذ احداث الاحد «الدامي»… والإثنين «الاسود» أم سيقتصر دورها فقط في التدخل لحلحلة مثل هذه
المشاكل والتي دون شك لن تتوقف وهنالك العديد من الامثلة والشواهد المماثلة التي تحدث يوميا في المدن والعاصمة؟… وهل يمكن للنفوس إن تتجاوز مرارة أيام الخرطوم السوداء لتمضي من جديد .. في غرس حلم آخر .. أم تنفتح الصدور لتلقي الخنجر الأخير في جسد الاحلام.. وكل يحمل في ذاكرته أحزان ذكرى الم فقد عزيز وراء تلك الاحداث.. .ولمن تثمر الجراح ؟؟
ان تنفيذ قرارات الحكومة التي اتخذتها أخيراً بمعاملة الجنوبيين كأجانب داخل السودان بداية جيدة لتقنين اوضاع الجميع ..لكن وعطفاً على تراتيبية الاحداث اصبح التكييف القانوني والحسم ضرورة في ظل التجاوزات من قبل بعض اللاجئين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق