الأحد، 20 أغسطس 2017

“جولة وزيارة”

اختتم رئيس الوزراء الإثيوبي، هايلي مريام ديسالين، زيارته للخرطوم، بينما يجوب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أربع دول أفريقية، في تزامن يطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل العلاقات بين الدول الثلاث.
ففي الخرطوم، أوضح البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية في تصريحاته عن زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، أن ملفي الحدود بين السودان وإثيوبيا وسد النهضة، كانا حاضرين في المباحثات بين زعيمي البلدين، وقال إن ملف المياه يعتبر ملفاً أمنياً قومياً بالنسبة للسودان وإثيوبيا وبقية دول حوض النيل.
البشير وديسالين أرادا خلال لقائهما أن يرسلا رسالة تطمينية للقاهرة التي باتت مترقبة لنتيجة هذه الزيارة، حيث أكد البشير أن بناء إثيوبيا لسد النهضة على مجرى نهر النيل لن يؤثر على تزويد مصر بالمياه. أما ديسالين فأكد أنه لا حاجة إلى تسييس قضية بناء سد النهضة، قائلًا إن هذه أمور فنية وليست سياسية.
الرسالة بدت واضحة ومباشرة والسؤال: هل وصلت هذه الرسالة إلى بريد القاهرة؟ وهل كانت الخرطوم وأديس صادقتين فيها بالفعل، أم أنها مجرد رسالة تطمينية؟
جولة متزامنة
وللإجابة على السؤال، نلاحظ أنه في وقت زيارة ديسالين للخرطوم كانت هناك جولة للرئيس عبد الفتاح السيسي شملت أربع دول أفريقية وهي (تنزانيا، الجابون، رواندا، وتشاد)، التي أكد خبراء مصريون أن هذه الجولة تأتي لتؤكد مكانة أفريقيا على سلم أولويات سياسة مصر الخارجية، مشيرين إلى حرص السيسي على تفعيل التواصل مع القادة الأفارقة في سياق إدراكه لدور الدبلوماسية كرافد أساسي لتعزيز دور القاهرة في أفريقيا، حيث تضمنت دولاً من شرق ووسط وغرب القارة، واثنين من البلدان التي تشملهما الزيارة هما تنزانيا ورواندا من دول حوض النيل، وقالوا أما تشاد فهي دولة جوار مهمة لليبيا والسودان وتتمتع بعلاقات قوية مع مصر، بينما الجابون من الدول البترولية ذات التأثير والفاعلية في غرب القارة، الأمر الذي سيتيح إقامة علاقات اقتصادية وتنموية واستثمارية معها، والجولة لها عدة أبعاد منها السياسي المرتبط بحل المنازعات في شرق أفريقيا، وهو ما تقوم به تنزانيا من تسوية المنازعات خاصة في بوروندي وجنوب السودان، أو دور تنزانيا في دول حوض النيل، وهو ما ينطبق على رواندا كذلك، ولفتوا إلى البعد الأمني والذى يمثل التحدي الأهم الذي تواجهه القارة، إضافة للبعد الاقتصادي وفتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية والمشاركة في خطط التنمية وتأسيس البنى التحتية.
الاحتياجات المائية
وأكدت الدكتورة أماني الطويل، خبيرة الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حديث لـ(اليوم التالي)، أن زيارة السيسي لتلك الدول تحديدا تنطلق من محورين، أولهما الملف الاقتصادي والتنموي وتندرج تحته الاحتياجات المصرية المائية، وبحثه مع كل من تنزانيا ورواند قد يؤدي إلى مراجعة اتفاقية (عنتيبي)، وهو ما عبر عنه رئيس تنزانيا في تصريحات له، من أنه يهتم بالاحتياجات المائية المصرية. وقالت الطويل أما المحور الثاني فهو محاربة الإرهاب بسبب وجود مشاكل أمنية وتهديدات إرهابية وانتشار عدد كبير جدا من الجماعات الإرهابية المتطرفة، منها (القاعدة) و(بوكو حرام) في عدد كبير من دول الساحل والصحراء، وتشاد، ما سهل انتقال تلك الجماعات إلى ليبيا وبالتالي أصبحت مصدر تهديد للأمن القومي المصري، مضيفة بالنسبة للجابون فهي دولة غنية بامتياز خاصة بالنسبة لمواردها الطبيعية، وستفيد مصر كثيرا في مجال الاستثمار والتبادل التجاري بين الجانبين. مشددة على أن “الزيارة أكدت إلى أي مدى أهملت فترة حكم كل من السادات ومبارك أفريقيا، فبعض الدول لم يزرها رئيس مصري منذ أيام الرئيس الراحل عبدالناصر، فالسادات مثلاً كان ينظر إلى أفريقيا باعتبارها كتلة تصويتية يحتاج إليها في المحافل الدولية لدعم العرب في الصراع العربي الإسرائيلي، وبعد توقيعه اتفاقية السلام مع إسرائيل أدار ظهره للقارة تماماً، كما أراد الانقلاب على تراث عبدالناصر والاهتمام بملفات أخرى تأسيسا لنظام حكم جديد. وتابعت: “دولة مبارك كانت تعيش على تراث عبد الناصر والسادات، ولم تبدع جديداً، لا في أساليب الحكم ولا في الملفات الاستراتيجية، وبالتالي كان مفهوم أن يدير مبارك ظهره لأفريقيا بعد محاولة اغتياله الشهيرة في أديس أبابا في تسعينيات القرن الماضي ولم يذهب بنفسه إلى أي دولة أفريقية أو يحضر أي قمة، وهذا الفراغ تم استغلاله بالكامل من جانب إثيوبيا وخاصة إقدامها على بناء سد النهضة.
متابعة وترقب
المتابع لزيارة ديسالين للخرطوم وجولة السيسي للدول الأفريقية الأربع، يجد أن كل منهما ينفذ زيارته وعيناه على نتائج زيارة الآخر، ففي القاهرة ذكرت وسائل إعلام مصرية أن خبراء ومتخصصين في الشأن الأفريقى يؤكدون أن هناك قلقاً في وسائل الإعلام الإثيوبية والسودانية من التحركات المصرية الأخيرة، والتي تمثلت في جولة السيسي، في حين أن الحقيقة ربما تكون مغايرة – كما أكد خبراء- بأن القاهرة قلقة من التقارب السوداني الإثيوبي وتترجمه في تنسيق أكبر في ملف سد النهضة بين البلدين، والذي يمثل هاجسا كبيرا للمصريين. في المقابل يرى البعض أن تحرك مصر في القارة يأتي ضد السودان وإثيوبيا، فهل القاهرة قلقة بالفعل أم أن الخرطوم وأديس يحاولان قطع الطريق أمام التحركات المصرية؟ أم أن القلق موجود والتقارب لقطع الطريق موجود أيضاً؟
رغبة قوية
لا شك أن جولة الرئيس السيسي مهمة وتؤكد رغبة سياسية قوية لدى القيادة المصرية بضرورة العودة للقارة السمراء، إلا أن النوايا الرئاسية الحسنة تجاه أفريقيا يلزمها عمل كبير وشاق من المؤسسات المصرية المختلفة لاستعادة هذا الدور الذي افتقدته القاهرة منذ عقود، وعلى الإعلام المصري الذي هلل معتبرا الجولة فتحا عظيما أن يركز أكثر في التشجيع والعمل الجاد لتنفيذ النوايا الرئاسية المصرية إلى أرض الواقع الأفريقي.
الخلاصة أن التوجه المصري لأفريقيا يجب أن يأخذ في الاعتبار العمل على استراتيجية طويلة الأمد تشمل كل الدول الأفريقية، وأن يكون الهدف الرئيس من الجولات المصرية للقارة بداية لعمل حقيقي له ما يتبعه وليس مجرد إثبات أن القاهرة تستطيع أن تبني تكتلات ضد تقارب سوداني إثيوبي قد تراه ضد مصالحها، وعلى القاهرة والخرطوم وأديس أبابا أن يثقوا أن التعاون والتنسيق في ما بينهم قد يمثل نواة حقيقية لاتحاد أفريقي جديد، يضع القارة على بدايات عصر ذهبي يليق بها وبإمكاناتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق