الخميس، 28 يناير 2016

البشير يصدر قراراً بفتح الحدود مع جنوب السودان

أصدر الرئيس السوداني، عمر البشير، الأربعاء، قراراً قضى بفتح حدود بلاده مع دولة جنوب السودان. أن البشير أمر الجهات المختصة باتخاذ التدابير كافة لتنفيذ هذا القرار على أرض الواقع.
وكانت الخرطوم قد أغلقت حدودها مع دولة جنوب السودان العام 2013، بسبب اتهامها للأخيرة بدعم وإيواء المتمردين السودانيين وتم إيقاف الحركة التجارية النشطة بين البلدين.
وجاء قرار البشير بعد يومين من إصدار رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، أوامر لوحدات جيش بلاده بالانسحاب الفوري من الحدود مع السودان، وأبدى استعداداً للتطبيع الكامل معه وتفعيل اللجان المشتركة التي تم تشكيلها بعد انفصال بلاده عن السودان يوليو 2011.
وقال ميارديت حسب بيان صحفي صدر في جوبا، إنه قرر التطبيع الكامل مع السودان وسحب جميع القوات العسكرية التابعة لبلاده من الحدود لمسافة خمسة أميال جنوباً، وفقاً لحدود العام 1956.
وجاءت خطوة ميارديت التصالحية تجاه الخرطوم بعد أيام قليلة من إصدار نظيره السوداني، عمر البشير، توجيهات بمراجعة الإجراءات الاقتصادية الانتقالية مع دولة جنوب السودان، بعد أن طلبت جوبا تخفيض المحصلة المالية لعبور النفط الجنوبي عبر أراضي السودان.

تقرير الجرائم في جنوب السودان… «أسمعت لو ناديت حيا»

يطرح التقرير الاممي بشأن الانتهاكات المروعة لحقوق الانسان من طرفي الصراع في جنوب السودان اسئلة مشروعة قد لا تقل في مأساويتها عن الجرائم المروعة التي ترتكب على مدار الساعة امام اعين مجتمع دولي يتواطأ بالصمت او يعتبر الضحايا السودانيين اقل قيمة انسانيا من ضحايا صراعات اخرى.
ولعل ابرز هذه الاسئلة اذا كانت اي من الدول الفاعلة في مجلس الامن مستعدة لاتخاذ اجراءات حقيقية على الارض للتدخل ووقف هذه المأساة ام انها لن تخجل من الاستسلام مجددا لمعايير الازدواجية؟
الواقع ان التقرير الاممي الحديث ربما قدم تفاصيل بشأن المجازر وعمليات الاغتصاب الجماعية وعمليات القتل والاعتقال خارج سلطة القضاء فضلا عن التعذيب والعنف الجنسي والاختطاف والاحتجاز والتهجير القسري واستغلال وتجنيد الأطفال والضرب وأعمال النهب وتدمير سبل العيش والمنازل، لكن الحقيقة المؤلمة هي ان تلك الجرائم لم تكن «سرا» بل ان كثيرا من المنظمات الحقوقية طالبت بوقفها في الماضي دون جدوى.
كما ان الامم المتحدة نفسها اصدرت في تموز/ يوليو الماضي عقوبات بحق ستة قادة- ثلاثة من كل فريق من طرفي النزاع، ولكن يبدو انه لم يكن لها أي تأثير على الارض. وهو ما يشير الى ضرورة البحث عن آليات اكثر تأثيرا لوقف الحرب الاهلية.
ولا يقلل هذا من اهمية التقرير الذي يوجه اتهاما مباشرا غير مسبوق الى رئيس جنوب السودان سيلفا كير وخصمه زعيم التمرد ريم ماشار بالمسؤولية عن تلك الجرائم، مؤكدا وجود»ادلة واضحة ومقنعة بان معظم اعمال العنف التي وقعت خلال الحرب ومن بينها اعتداءات على مدنيين وانتهاكات للقانون الانساني الدولي وحقوق الانسان ارتكبت باوامر من المسؤولين في اعلى مستوى في الحكومة والمعارضة وان هذين المسؤولين على علم بها».
ومما يؤكد تحول هذه الجرائم الى سياسة ممنهجة ان «كل هجوم تقريبا للأطراف المتحاربة على احدى القرى شمل عمليات اغتصاب واختطاف نساء وفتيات وإن كل الأطراف استخدمت عمدا الاغتصاب كتكتيك للحرب وغالبا في حوادث اغتصاب جماعي مروعة» كما قال التقرير.
ومن اللافت ان حكومة جنوب السودان لجأت الى الرد على الاتهامات الموثقة في التقرير بتوجيه اتهام للمنظمة الاممية بالسعي الى تغيير النظام (..)، وقال وزير الإعلام والناطق باسم الحكومة مايكل مكوي لويث «ليس مستغرباً على أي شخص الخروج بتلك التوصيات، لأن هدفهم الرئيسي هو تغيير النظام، وهم لم يستطيعوا تغييره بعد» لكنه لم يوضح ما هي مصلحة المنظمة في ذلك خاصة ان التقرير ادان طرفي النزاع، واوصى بفرض عقوبات على رئيس جنوب السودان، وزعيم المتمردين، واثنين من المسؤولين العسكريين، إضافة إلى فرض حظر على الأسلحة التي تغذي الحرب الأهلية في البلاد.
وفي اشارة واضحة الى المعايير المزدوجة في التعامل مع الصراعات الدولية قال بايتون كنوبف منسق اللجنة التابعة للأمم المتحدة للجنة العقوبات في مجلس الأمن «إن التكلفة البشرية للحرب مماثلة للصراعات في سوريا والعراق واليمن مقارنة بعدد سكان جنوب السودان البالغ 12 مليون نسمة».
ولا يعني هذا ان مجلس الامن نجح في التحرك لوقف الانتهاكات في تلك الدول، الا انه اصدر قرارات عديدة تتعلق بوقف التسليح ومعاقبة بعض المسؤولين، وشكل لجانا وبعث بمساعدات انسانية، على العكس من الوضع المأساوي في جنوب السودان.
وقد استغل الطرفان المتحاربان حتما هذا التغاضي المشين من المجتمع الدولي في تصعيد الانتهاكات دون خوف من المحاسبة.
وفي الوقت نفسه لا يمكن النظر الى الجرائم في جنوب السودان بمعزل عن الانتهاكات والمجازر المروعة التي مازالت تحصل في العديد من البلاد، وخاصة في الشرق الاوسط، وخاصة في الاراضي الفلسطينية المحتلة حيث تتواصل الاعدامات الميدانية التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي منذ شهور، ويبدو ان الامم المتحدة لم تأخذ علما بها بعد(..).
الواقع ان احتياج الامم المتحدة الى انقاذ مصداقيتها بمحاسبة كافة مجرمي الحرب دون ازدواجية او استثناء، اصبح لا يقل ابدا عن احتياج الضحايا في جنوب السودان وغيره الى تدخل حاسم من المجتمع الدولي لانقاذهم، فهل سيسمع احد لاستغاثاتهم؟ ام ان التقرير الاممي ينطبق عليه بيت الشعر العربي المشهور(اسمعت لو ناديت حيا لكن لا حياة لمن تنادي)؟

الأربعاء، 27 يناير 2016

جوبا تعلن رغبتها في «تطبيع كامل» للعلاقات مع الخرطوم

أصدر رئيس دولة جنوب السودان، سلفا كير ميارديت أوامراً لوحدات الجيش بالانسحاب الفوري من الحدود مع السودان، وأعلن استعداده للتطبيع الكامل مع الخرطوم وتفعيل اللجان المشتركة التي تم تشكيلها بعد انفصال بلاده في يوليو 2011.
وقال سلفا كير، حسب بيان صحافي صدر عن الرئاسة في العاصمة جوبا الليلة قبل الماضية أنه قرر التطبيع مع السودان وسحب قواته العسكرية من الحدود لمسافة 5 أميال جنوبًا وفقًا لاتفاقية عام 1956.
وأضاف "قررت بعد عطلة الكريسماس تطبيع العلاقات مع أخوتنا في جمهورية السودان المجاورة، لذلك قمت بإيفاد مبعوث خاص إلى الخرطوم نهاية ديسمبر المنصرم لمناقشة المسائل المتعلقة بتطبيع العلاقات الثنائية ومناقشة قضايا الحدود".
وتابع "نحن بحاجة إلى العمل بشكل وثيق مع إخواننا وأخواتنا في الخرطوم لتطبيع كل علاقاتنا وسنقوم بإعادة تنشيط جميع اللجان المعنية بهذا المسائل". وتجئ خطوة كير التصالحية تجاه الخرطوم، بعد ايام قليلة من إصدار نظيره السوداني عمر البشير توجيهات بمراجعة الإجراءات الاقتصادية الانتقالية مع دولة جنوب السودان، بعد أن طلبت جوبا تخفيض المحصلة المالية لعبور النفط الجنوبي، عبر أراضي السودان.
وكان وزير خارجية جنوب السودان برنابا مريال بنجامين وهو المبعوث الي عناه سلفاكير، أعلن من الخرطوم مطلع هذا الشهر، تقديم بلاده طلباً للحكومة السودانية بخفض النسبة التي تحصل عليها من عائدات نفط الجنوب نظير استخدام المنشآت والأنابيب السودانية، بعد أن انخفضت أسعار الخام العالمية إلى ما دون 27 دولارا للبرميل.
وأشار رئيس جنوب السودان في بيانه أن "هناك مجموعة كبيرة من مواطني البلدين يعيشون في المناطق الحدودية، ومسؤوليتنا المشتركة تحسين العلاقات من أجل رفع مستوى الأوضاع المعيشية لهم".
وأضاف: "لدي قناعة أن أخي الرئيس السوداني عمر البشير سيستجيب لرسالتي الهادفة إلى التطبيع من أجل تحسين العلاقات المشتركة، وأنا واثق من أنه سيقوم كذلك بفتح الحدود المشتركة مع بلادنا، أمام حركة التجارة والمواصلات من أجل الشعبين".

الأحد، 24 يناير 2016

النفط الجنوبي ورسوم العبور.. الكيل بمكيال جوبا وحده!

طلبت حكومة جنوب السودان وبإلحاح شديد إعادة النظر فى قيمة ترحيل النفط الجنوبي -عبر الأنابيب السودانية الحكومة السودانية من جانبها ممثلة فى وزير المالية بدر الدين محمود ردّت على الطلب الجنوبي بالرفض القاطع. الوزير السوداني محمود قال للصحفيين إن سعر نقل النفط الجنوبي مقسم على جزءين؛ جزء يتعلق برسوم العبور وقدره (9.5) دولار و(15) دولار جرى الاتفاق عليها على أن تكون فى إطار ترتيبات إنتقالية والإجمالي (24.5) دولار للبرميل الواحد. وأضاف الوزير أن الدولة الجنوبية تنتج (60ألف) برميل يومياً, وأن هذه الرسوم المقررة إنما تم إقرارها كما هو معروف بموجب إتفاقية موقعه بين البلدين منذ أكثر من (5) أعوام ولم تعرض للتفاوض أو التعديل.
الجانب الجنوبي فيما يبدو يشعر بمخاوف اقتصادية مردها الأساسي انخفاض الأسعار عالمياً- بدأ يتناقص بما قد يؤثر على موازنة دولة الجنوب. ولا شك أن قضية تخفيض رسوم عبور النفط وبغض النظر عن إمكانية حدوث ذلك من عدمه, هي قضية لا يمكن النظر إليها هكذا مجردة, وبعيدة عن مجمل القضايا العالقة بين الدولتين, إذ المعروف أن هنالك سلسلة مطولة من القضايا ذات الأبعاد الإستراتيجية البالغة الحساسية والأهمية ظلت الحكومة الجنوبية -لأكثر من 5 سنوات- تتجاهلها تجاهلاً مريعاً فقضايا ترسم الحدود, وهى من أهم وأعقد القضايا لم تولى جوبا أدنى اهتمام حيالها مما بات يتسّبب فى زعزعة إستقرار السودان بصفه دائمة. أيضا دعم الحركات المسلحة من دولة الجنوب لضرب السودان هي الأخرى لا تجد حظها من الاهتمام الجنوبي قط. بل إن جوبا (تغالط) فى هذا الصدد وتّدعي البراءة التامة!
قضايا التبادل التجاري بين الدولتين وتجارة الحدود نظراً للعلاقة الإستراتيجية بين دولتين كونهما كانا وإلى عهد قريب دولة واحدة لا تكثرت لها جوبا. بل يمكن إجمالاً القول إن اتفاقية التعاون المشترك الموقعة فى سبتمبر 2015بين رئيسيّ البلدين كأهم اتفاقية دولية تجاهلتها جوبا بالكامل!
إذن ما الذي يدفع السودان فى ظل التجاهل الجنوبي الممعن فى العناد لكي يقبل تعديلاً فى رسوم عبور النفط. فقط لكي يستمتع الجانب الجنوبي بعائدات نفط أكبر للأسف الشديد تزيد من تغذية تحركات الحركات المسلحة المناوئة السودان وتزيد من اشتعال أوار الحرب الأهلية الدائرة فى الجنوب!
لقد سبق للإخوة فى حكومة الجنوب فى أولى أيام الانفصال أن تعنتوا كل التعنت فى الاتفاق على سعر نقل نفطهم عبر الأنابيب السودانية -ولسنا بصدد إعادة فتح الجرح- ولكن كان أمراً معروفاً حينها أن حكومة الجنوب قصدت إلحاق الأضرار بالسودان, بعد ما فقدت النفط كمورد رئيس من موارده الأساسية وإمعاناً منها -يومها- فى الإضرار بالسودان نكاية فى حكومته, ورفضت عرض السودان الذي قدمه وفرضت فى خاتمة المطاف رؤيتها هي.
المفارقة الآن أن حكومة الجنوب تريد نقض ما تم على يديها! المفارقة الثانية أنها (تشتكى) عوزها الإقتصادي بينما قامت خططها أصلاً على إلحاق الضرر بالاقتصاد السوداني. المفارقة الثالثة والأكثر إثارة للريبة أنها -ودوناً عن كل الملفات المهمة الأخرى التي تجاهلتها عمداً- تبدى الآن اهتماماً برسوم عبور النفط! ليس هنالك فى علم العلاقات الدولية إستهزاء بقواعد العلاقات بين الدول أكثر من هذا!

فشل تشكيل حكومة وحدة وطنية في جنوب السودان

فشل طرفا النزاع في جنوب السودان في تشكيل حكومة وحدة وطنية في الموعد المحدد بالأول من أمس، مع رفض المتمردين إعلان الرئيس سلفا كير إنشاء ولايات إقليمية جديدة في وقت تستمر المعارك.
وكان مقرراً أن يشكل الطرفان الحكومة المذكورة أول من أمس، لكن المتمردين اعتبروا أن قيام الرئيس كير في شكل أحادي الشهر الفائت بزيادة عدد الولايات الإقليمية نحو ثلاثة أضعاف يشكل مساساً بركن أساسي في اتفاق تقاسم السلطة الذي وقع في أغسطس 2015 لإنهاء عامين من الحرب الأهلية. وانتقد الناطق باسم المتمردين مابيور قرنق أمس، «أصحاب الجناح المتشدد في الحكومة»، مؤكدا أن المفاوضات يجب أن تستند حصرا إلى النظام القديم القائم على عشر ولايات وليس 28 كما هو الوضع حاليا. لكنه تدارك أن المتمردين بزعامة نائب الرئيس السابق رياك مشار لا يزالون ملتزمين السلام.
وعين الرئيس السوداني الجنوبي في 25 ديسمبر الحكام الجدد للولايات المستحدثة. واجتمع ممثلون للمتمردين والحكومة الثلاثاء الماضي، للمرة الأولى في جوبا بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية. لكن زيادة عدد الولايات وتعيين حكام جدد أحدثا استياء في صفوف المتمردين.
واتفاق السلام الذي وقع في 26 أغسطس يهدف إلى إنهاء حرب أهلية استمرت عامين وتخللها ارتكاب الطرفين لفظائع. لكن المعارك لم تتوقف ويستمر تبادل الاتهامات بعدم الإيفاء بالالتزامات.

الأربعاء، 20 يناير 2016

البشير: حلايب سودانية بالوثائق

قال الرئيس السوداني، عمر البشير، يوم الثلاثاء، إن السودان لن يفرِّط في أي جزء من أراضيه، مؤكداً أن منطقة حلايب سودانية بالوثائق والأحداث التاريخية، كما أعلن أن وثيقة الحوار الوطني ستمثّل برنامجاً ملزماً لدستور البلاد.
وقال الرئيس البشير، في حديث خلال لقائه القيادات السياسية ورجال الإدارة الأهلية بالولاية الشمالية، ضمن مشاركته في فعاليات مهرجان "البركل" للثقافة والسياحة والاستثمار الثاني،  إن الوثائق والأحداث التاريخية تؤكد سودانية حلايب. مشيراً إلى وقوف الخرطوم إلى جانب القاهرة في كثير من الأزمات التي مرت بها خاصة في حربها ضد إسرائيل العام 1967، ما يؤكد حرص السودان على علاقته مع الأشقاء في شمال الوادي .
وأضاف أن الحكومة على الرغم من حرصها على علاقاتها الدولية إلا أنها لا تسمح بالتفريط في جزء من أرض الوطن .
إلى ذلك أكد الرئيس البشير أن الوثيقة الوطنية التي سيخلص إليها الحوار الوطني، ستكون برنامجاً ملزماً لصياغة الدستور الدائم للبلاد، مبيناً أن الأجواء عبر أروقة اللجان تشير إلى أن المداولات تؤكد مشاركة الجميع فيما سينتهي إليه الحوار.

الثلاثاء، 19 يناير 2016

ما مدى جدّية جوبا حيال طرد الحركات السودانية المسلحة؟

قال وزير الخارجية الجنوب سوداني (برنابا بنجامين) لدى زيارته العاصمة السودانية الخرطوم مؤخراً ان حكومته أخطرت قيادات الحركات السودانية المسلحة المقيمة بدولة جنوب السودان بالخروج من أرضيها, باعتبارات أن الأولوية -بحسب الوزير الجنوبي- للسلام.
البروفسير إبراهيم غندور –وزير الخارجية السوداني من جانبه قال فى حوار صحفى أجرى معه عقب الزيارة, إن الحكومة الجنوبية -بالفعل- رفعت رسمياً هذا الأمر عبر سفارتها بالخرطوم إلى الحكومة السودانية وأن الحكومة السودانية ردّت على الأمر الجنوبى بأن ذلك يجب أن يتم فعلياً وأن تجرى عمليات تجريد من السلاح .
ويشير البروفيسر غندور إلى أنه يعتقد بأن النية والإرادة لدى الحكومة الجنوبية موجودة ولكنه يستدرك ان هنالك من يعمل على عرقلة تحسّن العلاقه بين البلدين! ولا شك أن هذا الملف الأمني الشائك بين السودان وجنوب السودان واحد من أخطر وأعقد الملفات العالقة بين البلدين, ليس فقط لأنه الذى يحول دون بسط الاستقرار فى الدولتين,لكنه  يتسبب فى عدة تعقيدات أخرى أكثر خطورة وسوءاً:
أولاً، وجود الحركات المسلحة السودانية فى دولة جنوب السودان يستحيل معه تحسّن العلاقات بين البلدين بحال من الأحوال, مهما بذلت من جهود. ثانياً، الأخطر من تعكير صفو العلاقات بين البلدين -بسبب إستضافة جوبا لحملة السلاح  السودانيين- أن هؤلاء المسلحين تحولوا الى مرتزقة, على استعداد لخوض أي حرب فى المنطقة مقابل المال والسلاح. حدث ذلك فى افريقيا الوسطى, وفى تشاد, وفى ليبيا, ومجمل هذا الوضع أن جوبا بهذا الصنيع تعمل على خلق بؤرة أمنية سالبة تهدد أمن الاقليم والأمن والسلم الدوليين فى ذات الوقت.
ثالثاً، من المستحيل تماماً فى ظل استضافة جوبا لهذه الحركات السودانية المسلحة أن تنعم جوبا نفسها بالأمن والاستقرار لأن وجود هذه الحركات خلّف ضغائناً وثأرات داخل نفوس العديد من القبائل الجنوبية التي خاضت هذه الحركات حروباً ضدها فى إطار الصراع الجنوبي. ومع ذلك, فإن مجرد تفكير جوبا -بصوت مسموع- وإخطار السودان رسمياً عن طريق القنوات الدبلوماسية أنها عازمة التخلّص من هؤلاء المسلحين وطردهم من أراضيها تبقى خطوة إيجابية فى حدّ ذاتها وإن إحتاجت لخطوات عملية جادة, وبالطبع ليست مجرد عبارة دبلوماسية ناعمة أن يقول وزير الخارجية السوداني بروفسير غندور إنه يعتقد أن لدى جوبا النية والرغبة والإرادة السياسية لإنفاذ هذا الأمر.
من المؤكد أن للحكومة السودانية ما يحملها على الإعتقاد -ولو بنسبة ما- أن جوبا لم تعد قادرة الى احتمال استضافة الحركات السودانية المسلحة طالما أنها -هي نفسها- دخلت فعلياً فى مشروع سلام لا مناص منه!

دولة الجنوب .. خمسة أعوام على الاستفتاء الحزين ..!!

تزامن التاسع من يناير الجاري، مرور خمس سنوات على بدأ عملية التصويت فى انفصال جنوب السودان، تنفيذًا لبنود اتفاقية السلام الشامل، التي وقعت في نيفاشا بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في التاسع من يناير لعام 2005.
وبعد مرور ثلاث سنوات على انفصال جنوب السودان، تعرضت، خلالهم، إلى العديد من المشكلات التى كادت أن تعصف بها فى بداية تكوينها التاريخى والحضارى، وتعد مشكلة العصبية القبلية وانخفاض إنتاج النفط، من أكثر المشكلات التي واجهت جنوب السودان.
تتزامن الذكرى الرابعة لانفصال الجنوب مع مرور عام على اندلاع النزاع المسلح هناك، ولا تزال الدولة التي انفصلت عن السودان في يوليو 2011 مغارقة في أعمال العنف، والمجاعة تحاصر سكانها من كل جانب، وتقدر مصادر عدد الضحايا بين 50 ألفا- 150 ألف قتيل.ونجمت أعمال العنف والقتال عن صراع على السلطة بين الرئيس سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار اللذان يتحدران من قبيلتي الدينكا والنوير أهم إثنيتين في البلد.وبدات المعارك في جوبا، داخل جيش جنوب السودان بسبب خصومة سياسية، ثم امتدت إلى باقي مناطق البلاد ورافقتها العديد من المجازر بحق المدنيين على أسس اثنية.
بجانب الصراع الاثني والعرقي في الذكرى الرابعة فقد أشارت تقارير عالمية إلى فشل دولة جنوب السودان والتي تحتل المرتبة الرابعة عالمياً حسب تصنيف مجلة السياسة الخارجية الأمريكية الي عدة أسباب منها عدم امتلاك البنية التحتية للدولة والمنشآت والخبرة البشرية القادرة علي إدارة المؤسسات الحكومية مما يشير الي ان الدولة في جنوب السودان تبدأ من الصفر وان المراحل التي عاشتها تلك الجغرافية قبل ذلك لم تغشها يد التعمير أبدا مثلها مثل أطراف الدولة الأم التي خرجت عنها دولة الجنوب عبر حرب أهلية وتلك حالة يطلق عليها خبراء التنمية الاجتماعية والناشطين السياسيين من أقاليم السودان التي عانت من عدم انجاز تنمية متوازية علي امتداد القطر يطلقون عليها التهميش ولعلها كانت سبباً في اشتعال الحرب الأهلية علي أكثر من جبهة في دولة ظلت ردحاً من الزمان توظف جل وارداتها في قمع التمردات علي السلطة المركزية ولعل اشد النزاعات قد واجهتها في الجنوب وهو نزاع انتهي بقيام الدولة التي يجمع المراقبون علي وصفها بأنها فاشلة رغم أنها لازالت تحبو نحو عامها الرابع.
تأسيس دولة خاصة بأهل الجنوب هدف توحدت حوله تقريباً معظم النخبة الجنوبية قبل ان تفرضه احترام إرادة الشعب الجنوبي الذي اختار الانفصال بنسبة 98% ورغم حالة الاحتقان التي تميز العلاقة بين الشعبين إلا ان خيار الأغلبية كان من الممكن التأثير فيه إذا توفرت رغبة نخبوية خاصة من قبل التنظيمات التي تنادي بالوحدة وفق سودان جديد ولذلك يتحمل الجميع تطورات الوضع في الجنوب رغم أن الحكم علي دولة بالفشل خلال عامين من عمرها تعتبره جهات رسمية في دولة الجنوب تقييماً غير منصف وان الجهة التي قامت به وهي مجلة السياسة الخارجية الأمريكية لم تطلع علي التقارير الحكومية التي حوت انجازات تعتبر معقولة مقارنة بالفترة الزمنية التي يجري فيها التقييم. ورغم أهمية الزمن في عملية التقييم، ورغم أهمية الزمن في عملية التقييم الا ان الجهات التي تقوم بإعداد مثل تلك التقارير تأخذ في الاعتبار مؤشرات أخري معنية بإنتاج الفشل واستدامته مثل اعتماد الدولة علي مصدر اقتصادي واحد كما هو الحال في دولة الجنوب التي تعتمد علي النفط بنسبة 98%من إجمالي ميزانيتها ولذلك تسبب وقف تصدير النفط عبر الأراضي السودانية بسبب الخلاف علي رسوم العبور في انتكاسة لاقتصاد دولة الجنوب وخسارة بلغت مليارات الدولارات.
من ناحية أخري يبدو ان دولة الجنوب شغلتها السياسة عن ما سواها خاصة علاقتها مع جارتها الشمالية ولذلك تعتمد علي الاستيراد في كل شيء حتي الخضروات والتي كان من الممكن زراعتها علي ضفاف الأنهار العديدة في بلاد تعتبر خزاناً للمياه وعليه تعتبر عاصمة دولة الجنوب التي تستورد كل شيء أكثر عواصم العالم ارتفاعاً في تكاليف المعيشة والخدمات الي جانب ارتفاع البطالة وسط الفئات العمرية المنتجة في وقت تقدر فيه العمالة الأجنبية بنسبة 70% معظمهم من شرق إفريقيا ويعملون في أعمال كان في مقدور الجنوبيين ان يشغلونها بقليل من التدريب لوا أن الأمية في الجنوب تصل الي اعلي نسبة في العالم حيث تجاوزت الـ80% خاصة بين النساء في الوقت الذي تصل فيه نسبة الالتحاق بالمدارس 6% ورغم تعاطف كثير من الدول مع شعب الجنوب الذي عاش تداعيات أطول حرب أهلية يحمل الكثيرين وزرها لاختلال الفهم في إشكالية الهوية السودانية الي ان الكثير من المؤسسات العالمية لم تستطيع ان تقدم مساعدات وتسهيلات ائتمانية لان متوسط دخل الفرد في جنوب السودان والذي يصل الي 984 دولاراً يقل عن الدخل الفردي الذي تحدده تلك المؤسسات لتقديم المساعدات والذي يصل الي 1156 دولاراً.

الخرطوم وجوبا والنفط.. مآلات منتظرة

ثمة نذر تباعد في المواقف من جديد تلوح في سمار السودان والدولة الوليدة جنوب السودان، في أعقاب رفض الخرطوم طلباً من جوبا بالتراجع عن اتفاقية نفطية موقعة بين الجانبين، وذلك إثر تراجع أسعار النفط الذي بلغ (25) دولارا للبرميل، وهو ذات الرقم المتفق عليه كرسم عبور من آبار الجنوب إلى ميناء بورتسودان بعد عمليات المعالجة التي يتحمل تشغيلها السودان في إتفاقية مهرها الطرفان بأديس أبابا في العام 2012م، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول إمكانية توصل الجانبين إلى نقطة تلاق تؤدي إلى عدم تأثير هذا الملف على الاتفاقيات الأخرى وعلى سير علاقات التعاون بين البلدين الجارين، وحول مستقبل العلاقة ككل في ظل وجود ملفات ملحة وغير متفق حولها مثل النفط.
الجنوب على لسان وزير خارجية برنابا بنجامين أعرب عن أمله، أو بالأحرى طالب السودان بمراجعة رسوم العبور والمعالجة بعد تراجع أسعار النفط. قبل الإعلان عن سعره الأخير عالمياً، وعزا بنجامين الطلب لانخفاض الأسعار العالمية للنفط وقال : "الأسعار انخفضت وليست كالسابق فلابد أن نرى كيف نتشارك في البترول وإذا افترضنا أن سعر البترول وصول لـ(20) دولاراً حينها لن يكون هناك شئ ليتم اقتسامه".
غير أن الخرطوم قطعت بعدم التراجع عن اتفاقية النفط، وقال بد الدين محمود وزير المالية في حوار مع صحيفة (الراية) القطرية، أن السودان متمسك بالاتفاقية الخاصة برسوم عبور نفط دولة جنوب السودان، وقطع بعدم وجود أي تعديل أو تفاوض حول الاتفاقية المبرمة بين البلدين في ذات الخصوص. وأوضح الوزير، أن سعر نقل بترول دولة جنوب السودان مقسم على جزئين، وهو (9,5) دولارات رسوم عبور، و(15) دولاراً ترتيبات مالية انتقالية، والإجمالي (24,5) دولاراً لكل برميل. وأضاف "ودولة الجنوب تنتج 160 ألف برميل يومياً".
وقال الوزير إن الرسم الخاص بالبترول مع جنوب السودان محكوم بموجب اتفاقية وقعت في سبتمبر 2013م، ولم يتم تعديلها أو التفاوض حولها، ولفت على أن دولة الجنوب واجهتها مشكلة إنتاج النفط، والتأثير الأكبر جاء بسبب تراجع أسعار البترول عالمياً، مما سيحدث فجوة في موازنتها. وكان عوض عبد الفتاح مهندس اتفاقية النفط مع الجنوب سبق وزير المالية، واستبعد في تصريح سابق، إمكانية فتح الاتفاق من جديد ووصفه بالـ"مكرب جداً".
ويرى كثير من المراقبين أنه يمكن حدوث اتفاق بين الجانبين من خلال جلوس الطرفين مع بعضهما، خاصة وان هذه النسبة حددت عندما كانت أسعار النفط فوق الـ(110)  دولارات للبرميل، ويشيرون إلى أن الاتفاقية الجارية ترتبت عقب انفصال الجنوب ونصت على إجراءات انتقالية يتم بموجبها تعويض السودان عن فقدانه لموارد البترول المنتج في الجنوب، ونص الاتفاق على تعويضات تستكمل خلال فترة (3) سنوات، واتفاق تجاري يستمر بعد ذلك في إطار مقابلة تكاليف معالجة ونقل البترول المنتج في الجنوب إلى موانئ التصدير عبر البحر الأحمر، ويشيرون إلى أن أي اتفاق على هذا النحو يمكن مراجعته إذا حدث شئ ما يغير في معطيات الاتفاق بصورة أساسية.
لكن يرى البعض أن الحديث الآن عن المطالبة بالتخفيض إنما يأتي استباقاً لتفاوض لاحق حول عبور النفط والحقوق والتعويضات وتحدث المهندس إسحاق بشير وزير الدولة بوزارة النفط الأسبق، في وقت سابق عن أن أسعار النفط عندما كانت في حدود (110) دولاراً للبرميل تم الاتفاق على هذه النسبة من التعويض، لكن مع تراجع أسعار النفط إلى أكثر من (50%) من السعر السابق بدأت المطالبات بتعديل رسم العبور والمعالجة، ونوه إلى أن حكومة الجنوب في وقتها كانت قد أصرت على هذه النسبة وتم الاتفاق على ذلك.
وقال إسحاق أن اتفاق التعاون النفطي بين السودان وجنوب السودان الموقع في سبتمبر من العام 2012م بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا حدد أسس التعاون النفطي بين البلدين بالنص على تعويض السودان عن فقد البترول جراء الإنفصال بدفع (3) مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات، بجانب دفع دولة جنوب السودان رسوم عبور نفطها للأراضي السودانية بأرقام محددة للنفط المنتج في الوحدة وأعالي النيل والذي يبلغ في مجمله نحو (25) دولاراً للبرميل، بينما تقدم حكومة السودان خدمات المناولة في الميناء والتأمين والسماح باستغلال أنابيب النفط السودانية في تصدير نفط الجنوب.
وقال إسحاق إن مطالبة دولة جنوب السودان بمراجعة وتخفيض رسوم عبور النفط عبر الأراضي السودانية بحجة انخفاض الأسعار عالمياً يتعارض مع رفضها لمقترح السودان بتخصيص نسبة من الإنتاج كرسوم عبور بدلاً من تحديد رقم لرسوم عبور البرميل الواحد من النفط، ولكن حكومة الجنوب رفضت مقترح السودان وأصرت على تحديد رقم على رسوم عبور البرميل النفطي وتم الاتفاق على رقم، بيد أنه توقع إمكانية جلوس الطرفين لتدارك الخسائر، وقال : اعتقد أن من مصلحة البلدين التواصل على حل وسط لضمان استمرار إنتاج نفط الجنوب وتصديره عبر الأراضي السودانية لمصلحة اقتصاد البلدين، ونضمن زيادة إنتاج نفط الجنوب وصادراته وزيادة عائدات السودان من جراء العبور عبر الاتفاق على سقوفات محددة لأسعار النفط بين النسبة من الإنتاج والأسعار العالمية".
الحل الوسطى والمنطقي هو المخرج على نحو ما أكده المحلل السياسي البروفيسور حسن مكي، الذي شدد على ضرورة جلوس الطرفين للوصول إلى حل منطقي ومرض لكليهما. ووصف مكي في حديثه لـ(الرأي العام) أمس، أن تصريحات وزير المالية يرفض طلب الجنوب بتخفيض رسوم النفط بالتعجيزي، وقال : واضح جداً أن الجهات العليا لم تجلس لمناقشة هذا الأمر، لأنه لا يمكن لدولة الجنوب دفع (3) دولارات زائد قيمة البرميل (25) دولاراً للشمال، وتساءل ماذا سيستفيد الجنوب، وأشار إلى أن الحكومة ليس لديها خيار سواء التراجع عن رفضها لطلب الجنوب، غير انه يرى أن الحكومة بإمكانها أن تجدول هذه الرسوم كديون على الجنوب.
ومن جانبه، وصف المحلل السياسي د. عمر عبد العزيز أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري، رفض الحكومة لطلب حكومة الجنوب بتخفيض رسوم عبور النفط المنطقي، وقال ان السودان قدم تنازلاً كبيراً فيما يتعلق بالرسوم في اتفاقية النفط. وأضاف : إذا أراد الجنوب تصدير نفطه عليه القبول بهذه الرسوم.وتساءل : هل كان الجنوب سيوافق على رفع الرسوم حال ارتفاع أسعار النفط؟ وأردف: وكيف يطالب الجنوب السودان بالتراجع عن الاتفاق في الوقت الذي يستضيف فيه الحركات المسلحة: وزاد (الجنوب ما قدم السبت عشان يلقى الأحد).

سد النهضة… مصر والبحث عن عمق مفقود

إثيوبيا ومصر من البلدان الجذرية.. وقائع جغرافية وتاريخية لا يمكن تجاوزها، المصب المصري لا يمكن أن يواجه الهضبة الإثيوبية، وصراع مصري إثيوبي يجب أن يجد له حلولاً عاجلة وإبداعية،علماً بأن تاريخ التعاون الأفريقي انطلق في الخمسينيات بتقارب مصري – إثيوبي بقي يطغى على منظمة الوحدة الأفريقية، التي بدأت اليوم تشهد نزعات إقليمية أخرى، سواء من خلال تآلفات في شرق القارة أو غربها.
وعلى الرغم من هذه الحقائق، إلا أن أحداً لا يفكر في خطوة لإنقاذ القارة الأفريقية والبحر الأحمر والمجموعة العربية من افتراق مصري – إثيوبي يحتاج إلى كثير من العقلانية والموضوعية لتجنبه. الأداء الدبلوماسي والإعلامي أدى إلى تشويش كبير في تفهم النتائج التي سيسفر عنها وجود سد النهضة في إثيوبيا، وعملياً فإن الحصة المائية لمصر والسودان تبدو عرضة للتأثر لأسباب كثيرة أخرى، بجانب سد النهضة، فمن ناحية فإن ارتفاع معدلات التبخر في منابع النيل سيسبب تراجعاً في التدفق المائي للنهر، وكذلك فإن الزيادة السكانية في الدول التي تشترك في مسار النهر من شأنه أن يمثل ضغوطاً أخرى تستدعي إعادة النظر في تقاسم مياه النيل على أسس واقعية، وربما يتطلب الأمر مشروعات أخرى في دول المنبع وأيضاً في مصر.
أزمة سد النهضة يمكن تلافيها إلى حد بعيد بدخول مصر شريكا استراتيجيا في بناء السد، شريكا في التمويل والبناء، لاختصار فترات تحويل مياه نهر النيل الأزرق، بحيث يبدأ تشغيل السد وبفعالية كبيرة خلال فترة زمنية أقصر، وهو ما يضمن أن الاختلالات التي يمكن أن يحدثها السد على سلوك النهر ستختزل، ولكن تصاعد الأداء الإعلامي والسياسي الشعبوي، الذي يحث على مواجهة إثيوبيا ويلوح بالحلول العسكرية أحياناً يمنع الفكر النخبوي من التقدم بحلول عملية، فلا يمكن للحكومة المصرية أن تتصرف باحترافية وواقعية في ظل وجود تسخين غير منضبط لوضع مصر، في صراع وجودي مع بلد آخر مؤثر ومهم في القارة الأفريقية، فمن جهة لا يدرك كثير من القائمين على التسخين في الصحف والفضائيات المصرية أن إثيوبيا بلد كبير بتعداد سكاني يفوق مصر، ومن جهة أخرى يتغيب عن التيار الشعبوي حقيقة أن الإثيوبيين في الطرف الأقوى لأنهم أصحاب الخيار في هذه الحالة، فتحويل النهر مسألة أسهل كثيراً من بناء سد كهروميكاني، بمعنى أن ضرب مصر للسد يمكن أن يدفع إثيوبيا وبإمكانياتها الذاتية لأن تبقي على تحويل النهر دائماً.
الاستخفاف الذي يمارسه تيار الحلول الشعبوية يليق بمباراة مرتقبة في كرة القدم، أما العلاقات بين بلدين مؤثرين في الإقليم، في مفصل على قدر كبير من الحساسية، فيلزمها تعامل مختلف وأكثر حنكة واحترافية، ويشتمل أيضاً على قفزة استراتيجية للأمام، فالنيل يبدو اليوم متجهاً لشيخوخة مبكرة نتيجة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، ويجب البحث في إطلاق استثمارات كبرى للمحافظة على مياهه، بحيث يجري استثمار أكبر كمية من المياه قبل وصولها مهدرةً إلى المتوسط، ومشروع توشكى المتعثر يبدو أحد الحلول الممكنة، ويبدو أن اصطناع مجموعة من البحيرات والمستودعات المائية الكبيرة على مسار النهر وحولها مجتمعات زراعية هو أكبر التحديات التي من المحتمل أن تتحول إلى فرص استثمارية دولية.
الخبراء المائيون اختفوا فجأة من المشهد، لا أحد يريد أن يستمع لهم، وكثير منهم حافظوا على أمانتهم العلمية لتجنب النقد الذي أصبح ينصرف لمهاجمة الشخص والتفتيش في نواياه والتشكيك في إخلاصه، بدلاً من الانصباب على مناقشة أفكاره وطروحاته ونقدها، ويبدو أن قول كلمة حق أمام سلطان جائر لم تعد هي الشجاعة، فمواجهة شعب متحمس وما يحمله من تصورات متوارثة تتطلب شجاعة أكبر وأعمق.
خضعت مقولة هيرودوت «مصر هبة النيل» لفهم مغلوط، فكأن النيل وجد من أجل مصر وحدها، والحقيقة أن مصر هي الإبداع الأكمل للنيل، الذي يدخل بانسيابية إلى الوادي المصري ويجد على جانبيه فرصة ليعبر عن نفسه بعيداً عن الأجواء الاستوائية، وبذلك كانت فرصة قيام حضارة في المصب المصري كبيرة، مقارنة بأي مكان في العالم القديم، وذلك لا ينفي أن شعوب النيل كلها كانت أكثر تحضراً من بقية الشعوب الأفريقية. والمصريون بحاجة إلى تفهم النيل على امتداده لا مجرد النيل من منظورهم الخاص، وضمن هذه الرؤية يمكن لمصر أن تتزعم إقليماً مهماً ووعداً من العالم، تكون إثيوبيا درة التاج فيه، كذلك كانت مصر في عهدها الملكي تتفهم العمق الاستراتيجي، وحاولت المرة بعد الأخرى أن تستولي على المنابع ففشلت المرة بعد الأخرى، فكانت المبادرات في مرحلة عبد الناصر تستوعب طبيعة العلاقات مع أفريقيا ومدى تأثيرها على موقع مصر القيادي على مختلف المستويات، فقيادة مصر العربية ومكانتها في المتوسط تستند إلى عمقها الافريقي، وبدونه ليست مصر إلا امتداداً للصحراء الكبرى.
الساداتية ضربت القيادة المصرية لإقليم النيل، وتصرفت كثيراً في النيل وكأنه جزء من الممتلكات الشخصية للسادات، فالرئيس المصري يهدي اسرائيل مشروعاً لم تطلبه ولم تطمح له مع ترعة السلام التي أرادها أن تمتد من النيل إلى القدس، وبالطبع فإنه لم يتشاور أصلاً مع شركائه الأفارقة، ولم يكترث بردود أفعالهم. ولما كان نظام مبارك لا يرى نفسه إلا امتداداً لسياسة السادات الخارجية التي لا ترى العالم إلى من منظور الرضا الأمريكي، فإنه استمر على إهماله للعمق الأفريقي، بما استفز مشاعر عدائية تجاه مصر لم تكن مصر أساساً معنية بمتابعتها، عدا عن تفهمها ومعالجتها. واليوم يأتي الحصاد المر لتلك السياسة التي وصلت إلى مرحلة العبثية، بعد محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا ليضع الرئيس المصري بمنتهى الشخصنة والنزق كلا من إثيوبيا والسودان في خانة أعدائه، ويدفع المصريين لصراعات جانبية أدت إلى تشويه المفاهيم، كما هو الأمر مع التشوه الذي دخلته مصر في فضائها العربي.
نزعات الانكفاء على القومية المصرية ذات الطابع المحلي ظهرت بصورة موسمية خلال القرن الماضي، وكانت في كل مرة تثبت فشلها في دولة اصطنعها التاريخ لنفسه ورأتها الجغرافيا الثمرة المشتهاة، والوجود في بناية آيلة للسقوط، ونعني أقاليم مصر الأفريقية والعربية، لا يعالج بأن يغلق الباب والشبابيك اعتقاداً بأن الطابق الذي تشغله مصر لن يتأثر بالانهيار وسيتجنبه بمجرد أن يصم آذانه عن التحذيرات التي تنطلق من كل مكان.
مصر حالة نادرة بين كل دول العالم، فربما كانت الدولة الأكثر شعبية في محيطها، وثمة اعتراف بمكانتها لا يرتقي لها أي شك من جيران مصر، لا ألمانيا استطاعت أن تتحصل على ذلك من الفرنسيين أو حتى النمساويين، ولا الصين أخذته من كوريا أو فيتنام، فالمسألة أن مصر بحاجة لأن تعترف بأهمية أبعادها وأن تتفهم احتياجات الشعوب الأخرى التي تشترك معها في تاريخها ومصيرها، والأمر يتطلب تجرداً من مشاعر دعاة المحلية، ومن يستفيدون من وجود عداء غير مبرر ليوجدوا عدواً يعطيهم موقعاً للمزايدة بالوطنية وممارسة الوصاية على الشعور الشعبي، الذي يختلف بالضرورة وبصورة أكيدة عن الوعي الذي تسرقه المصالح الضيقة والرؤية القاصرة للفاعلين السياسيين، الذين يبحثون عن مصالحهم الخاصة في ظل تغييب الميثاق الأكثر عمومية وعمقاً، ففي زمن يرفض فيه مرتضى منصور ما كتبه سيد حجاب عن مصر في دستور المصريين الجديد، فإن الأمور تسير إلى الكارثة بإصرار وعنجهية.

الخميس، 7 يناير 2016

محكمة الإرهاب ترسل إعلاناً لنائب سفير دولة الجنوب عبر الخارجية للمثول

تعتزم محكمة مكافحة الإرهاب بالخرطوم شمال إرسال إعلان لنائب سفير دولة مجاورة عبر وزارة الخارجية للمثول أمامها كشاهد دفاع عن (25) من رعايا دولته يواجهون اتهامات بتقويض النظام الدستوري وخوض حروبات مع حركة مع احدي الحركات المسلحة بدعم وغطاء من دولة مجاورة لزعزعة أمن واستقرار البلاد ونهب الدولة وترويع مواطنيها؛ فيما أدي تكرر من (3) مرات؛ وبموافقة القاضي عابدين حمد علي ضاحي علي طلب هيئة الدفاع عن المتهمين بإعلان الشاهد بالطرق الدبلوماسية تم إرجاء الجلسة إنصافاً للعدالة؛ وترك المستشار عبد الرحمن محمد عبد الرحمن وكيل نيابة أمن الدولة القرار للمحكمة في مهلة هيئة الدفاع لاستدعاء الشاهد؛ وتعود تفاصيل القضية بأن جهاز الأمن دون بلاغ ضد (25) أجنبي متمرد يتبعون لحركة مسلحة وأفاد فيه بأنهم قاموا بالاشتراك في معارك وحروبات ضد حكومة السودان الممثلة وإثارة البلبلة وهاجموا القرى الآمنة مثل ("جبل مون" و"شرق الجبل" و"خرصان" و"دار السلام" و"كركدي" و"مهاجرية" و"كنجة") وقاموا بنهب  ممتلكات المواطنين ودمروا منشآت وقتلوا المواطنين تسببت أعمالهم في نزوح الأهالي من القرية ومناطقهم؛ وباشرت السلطات إجراءاتها والقي القبض علي (25) متهم وتم اقتيادهم والتحقيق معهم أنكروا جريمة.

اجتماعات ثلاثية في أديس أبابا بخصوص سد النهضة

بدأت اللجنة الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا على مستوى الخبراء، المتخصصة بالاتفاق على دراسات بناء (سد النهضة)، اجتماعاتها في أديس أبابا، بجلسة مغلقة، ستناقش عملية التنسيق مع المكاتب الاستشارية المنفذة للدراسات الفنية حول صياغة للعقود.
وقال مصدر إثيوبي مطلع، يوم الأربعاء، إن خبراء الدول الثلاث، سيبحثون كذلك المدة التي يمكن أن تحتاجها المكاتب الاستشارية لإجراء الدراسات اللازمة بخصوص (سد النهضة) وكشف المصدر القريب من الاجتماعات، أن اللجنة الثلاثية "ستناقش عملية التنسيق مع المكتب الإنجليزي (كوربت)، الذي سيتولى التعاملات الإدارية والمالية بخصوص السد مع المكتبين الاستشاريين (بي.آر.إل) و(أرتيليا) (فرنسيان)، المنفذين للدراسات الفنية له، حول الصياغة التي سيتم كتابتها في المسودة القانونية للعقود".
وقال المصدر إن خبراء الدول الثلاث، سيبحثون كذلك المدة التي يمكن أن تحتاجها المكاتب الاستشارية لإجراء الدراسات اللازمة بخصوص (سد النهضة).
ولم يوضح المصدر نفسه، المدة التي ستتواصل اجتماعات اللجنة خلالها في أديس أبابا.
وكانت اللجنة المكلفة من الدول الثلاث قد منحت المكتبين الاستشاريين مهلة حتى الـ 15 من يناير الجاري، لتسليم العرض الفني المشترك، لإعداد الدراسات الفنية المطلوبة، لتنفيذ قرار لجنة الخبراء الدوليين في مايو 2013.

الأربعاء، 6 يناير 2016

مطالبة بحل نهائي لملفي حلايب والفشقة بـ"الحوار"

طالب أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمؤتمر الحوار الوطني السوداني، يوم الثلاثاء، بإيجاد حل نهائي للأزمات العالقة في الحدود بين السودان ودول الجوار، خاصة قضية حلايب والفشقة وترسيم الحدود مع دولة جنوب السودان.
وأكدوا على أهمية مراجعة علاقة السودان مع أمريكا واستمرار الحوار معها، الذي يقوم على الندية في طرح الرؤى والأفكار. في وقت كشف فيه أعضاء اللجنة عن جهود مكثفة لمواجهة المحكمة الجنائية، مؤكدين أنها موجّهة للنيل من زعماء القارة الأفريقية.
وكشف رئيس اللجنة، السفير عمر بريدو في تصريح ، عن مطالبة الأحزاب والحركات المشاركة، بضرورة تحديد زمن لرسم الحدود مع دولة جنوب السودان.
وفي منحى آخر ذكر بريدو، أن اللجنة ناقشت تقريراً عن السودانيين في دول المهجر، قدمه السفير حاج ماجد سوار، الذي أكد اهتمام الدولة بالسودانيين بالخارج، والعمل على الاستفادة من خبراتهم.
وأعلن عن مقترح تقدم به عدد من الأعضاء بإنشاء وزارة مختصة بالمغتربين وشؤون الجاليات .

تقديم خدمات إنسانية عاجلة لـ(68) ألف لاجئ من الجنوب

أعلنت وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي مشاعر الدولب، ضرورة التدخل العاجل وتقديم خدمات إنسانية (غذاء وكساء ودواء ومأوى) لـعدد 68 ألفاً من مواطني دولة جنوب السودان المتأثرين بالصراع هناك، لجأوا لولاية النيل الأبيض.
ووقفت الدولب على الأوضاع الإنسانية والخدمية والاجتماعية على أحوال المواطنين الجنوبيين الذين دخلوا إلى ولاية النيل الأبيض ومحلياتها المختلفة، المتأثرين بالصراع بدولة جنوب السودان.
وأكدت الوزيرة خلال لقائها، الثلاثاء، بوالي النيل الأبيض عبد الحميد موسى كاشا، بحضور مفوض العون الإنساني محمد آدم والأمين العام لديوان الزكاة محمد عبد الرازق، ضرورة التدخل العاجل وتقديم خدمات إنسانية للمواطنين البالغ عددهم 68 ألفاً من الجنوب.
وأمَّن اللقاء على وضع رؤية متكاملة وتسيير قوافل دعم وقوافل طبية لتقديم مساعدات عاجلة، تشارك فيها مؤسسات الوزارة من العون الإنساني وديوان الزكاة والصندوق القومي للتأمين الصحي.
وأعرب والي ولاية النيل الأبيض عن شكره لوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي ومؤسساتها المختلفة، مؤكداً اهتمام الدولة ورئاسة الجمهورية وكل المؤسسات ذات الصلة بأمر مواطني دولة جنوب السودان الذين قدموا إلى السودان.

مفاجأة.. الأقمار الصناعية تكشف بدء توليد الكهرباء في إثيوبيا

نقلت صحف مصرية، اليوم الثلاثاء، صور من الأقمار الصناعية توضح قيام إثيوبيا، بتوليد الكهرباء بعدما قامت مؤخرا بتحويل مجرى مياه نهر النيل لسد النهضة.
وقالت صحيفة "اليوم السابع"، الثلاثاء، إنها تنفرد بنشر الصور بعد إزالة التشويش الأمريكي، التي التقطتها الأقمار الصناعية لسد النهضة، منذ بدء عملية إنشائه، حتى تغيير مجرى نهر النيل بالكامل.
ونقلت مواقع التواصل الاجتماعي ما كشفه المركز الإقليمي لعلوم الفضاء بالأمم المتحدة من أن الولايات المتحدة الأمريكية، قامت بالتشويش على صور تم التقاطها عن طريق الأقمار الصناعية بخصوص سد النهضة، عبر القمر الصناعي الأمريكي "Land Sat 8"، طيلة الفترة السابقة، وأنها ما زالت مستمرة في ذلك حتى الآن.
ونقلت صحيفة "فيتو" المصرية، الثلاثاء، عن نائب رئيس المركز وخبير الاستشعار، الدكتور علاء النهري، قوله، إن الصور المرسلة من القمر الأمريكي "LAND SAT 8" كشفت تحويل مجرى نهر النيل الذي تم تغييره عند بناء السد في 28 يونيو 2013.
وأضاف أن مجرى النيل الجديد، الذي يعتبر المجرى الأصلي، تم تحويل مجرى النيل إليه بواسطة إثيوبيا لتوليد الكهرباء، وتخزين جزء من المياه ببوابتين ضمن 16 بوابة، مشيرا إلى أنه تم ملء سد النهضة الإثيوبي جزئيا بحجز المياه عن مصر بارتفاع فوق 45 مترا ببوابتين.
وأوضح أن المجرى عرضه 65 مترا، وسيزيد كلما فتحت بوابات أخرى في جسم السد، كاشفا أن سد النهضة سيصل ارتفاعه إلى 175 مترا بعد الانتهاء من بنائه، وأنه توجد بوابة تسمى "SPILL WAY" تستخدم عند حالات الطوارئ؛ لتخفيف الأحمال عن جسم السد في حالة الفيضانات الضخمة.
وأشار إلى أن الأقمار الصناعية أوضحت صورا كارثية تؤكد أن المواطن المصري سيشعر بانخفاض نصيبه في المياه على آخر عام 2016، موضحا أن النصيب الحالي للفرد في المياه يبلغ 617 مترا مكعبا سنويا، وأنه في حالة بناء السد سيصبح نصيب الفرد 333 مترا مكعبا سنويا.
وكشف النهري في تصريحاته، التي تناقلتها الصحف والمواقع المصرية، أن واشنطن كانت تضع "ماسك أبيض" على صور قمرها الصناعي جميعا، حتى لا تتمكن مصر، من متابعة بناء سد النهضة، ولكن مسؤولي الاستشعارات عن بعد تمكنوا من إزالتها نهائيا.
وأوضح أنه تم التقاط آخر صورة يوم الخميس الماضي، وأنه تم كشف مفاجأة خطيرة هي أن إثيوبيا انتهت من بناء 16 بوابة في سد النهضة، وأن جميع البوابات من ماركة "francis"، وهي صناعة أمريكية.
وأضاف أنه لو تم تخزين مياه نهر النيل لفترة العامين الأوّلين فسوف تفقد مصر 20 مليار متر مكعب من مياه النهر.
وتابع بأن مصر قامت بشراء صور القمر الصناعي من دولة لم يذكر اسمها، كانت على علم بنوع الصور الملتقطة، والمكان الذي التقطت منه، مشيرا إلى أن عملية الشراء تتم وفقا لعقود تبرم بين أي دولتين، وأن هذا بمثابة عمل استراتيجي، ومتاح تجاريا.

الخرطوم وجوبا .. مستقبل مرتبط بمدى التعاون المشترك

تظل العلاقة بين الخرطوم وجوبا علاقة أزلية رغم ما يكتنف طريقها أحيانا من مطبات بسبب ملفات شتى يتقدمها الملف الامني بين البلدين في ظل تواجد حركات تمرد سوودانية في اراضي دولة الجنوب ، ومع ذلك يجدد السودان في كل مرة سعيه لإيجاد معادلة سياسية توقف الحرب بين اطراف النزاع الجنوبي وفي السياق قطع الرئيس السوداني عمرالبشير، بأن بلاده تسعى لتحقيق السلام بدولة جنوب السودان، وقال إن السودان يعمل منفرداًوفي منظومة (الإيقاد) للدفع باتجاه تحقيق السلام والاستقرار في جنوب السودان.والتقى البشير في الخرطوم، وزير الخارجية بدولة جنوب السودان برنابا بنجامين،الذي نقل اليه تطورات الأوضاع في بلاده فيما يخص اتفاقية السلام ، كما أبلغه رساله شفهية من نظيره سلفاكير ميارديت.وأكد البشير عمق العلاقات بين البلدين والشعبين وأنهم شعب واحد في بلدين، بجانب التأكيد على رغبة السودان في العمل من أجل استقرار جنوب السودان.
ورفع اللقاء التشاوري الذي عقد في موسكو بين وزيري خارجية السودان وجنوب السودان في سبتمبر الماضي مستوى التوقعات بإمكانية إيجاد حل للأزمة بين الخرطوم وجوبا في ظل وساطة هي الأولى من نوعها بين البلدين تقوم بها روسيا. فقد استضافت موسكو ولأول مرة منذ انفصال جنوب السودان اجتماعا ثلاثيا جمع وزيري خارجية السودان إبراهيم أحمد غندور وجنوب السودان برنابا بنيامين بنظيرهما الروسي سيرغي لافروف لمناقشة القضايا العالقة بين السودانيين.
وأظهرت التصريحات التي أدلى بها حينها الوزيران غندور وبنيامين بعد اللقاء مؤشرات إيجابية لإمكانية تذليل العقبات التي تواجه تنفيذ بنود اتفاقية التعاون المشترك التي تم توقيعها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 2012 بين السودان وجنوب السودان، وتطبيع العلاقات بين الخرطوم وجوبا.
وقال الوزير السوداني إنه اتفق مع نظيره من جنوب السودان على بدء تنفيذ اتفاقية أديس أبابا، في حين أكد وزير خارجية جنوب السودان على ضرورة تعزيز أجواء السلام والتعاون بين السودانيين.
بدورها، أعربت الخارجية الروسية عن أملها في أن يتحرك وزيرا خارجية البلدين نحو إيجاد حلول نهائية للمسائل العالقة في العلاقات الثنائية، فضلا عن العمل على ترسيخ الحوار البناء بين السودان وجنوب السودان.
ويقول المتخصص في الشؤون السودانية سيرغي سيرغيتشيف إن "موسكو تمتلك مقومات عديدة تؤهلها للعب دور الوساطة بين البلدين، في مقدمتها رصيدها الدبلوماسي، وسمعتها كدولة مؤثرة تحظى بثقة الجانبين، ذلك لأن موسكو لا تمارس ضغوطا ولا تتدخل في الشؤون الداخلية، وتنطلق من مبدأ المنافع المتبادلة".وأضاف أن نفوذ موسكو الدولي وعضويتها الدائمة في مجلس الأمن يمكنانها من دعم موقف الخرطوم أمام انتقادات المجتمع الدولي، خصوصا أن روسيا أصبحت الشريكة الإستراتيجية والحليفة الأولى للسودان، وهناك روابط سياسية واقتصادية متميزة بين البلدين.لكن في ما يتعلق بجنوب السودان أوضح سيرغيتشيف أن العلاقة مع موسكو ليست بنفس المستوى مع السودان، "لأن قيام دولة الجنوب واقعيا هو مشروع أميركي، لكن فتور العلاقة بين واشنطن وجوبا في الوقت الراهن يفسح المجال أكثر أمام دور روسي".من ناحية أخرى، يعتقد الباحث في المعهد الروسي للشؤون الأفريقية ستانيسلاف ميزيتسيف أن نجاح اتفاق الهدنة الأخير مرهون بالتغلب على تحديات الضغوط والتدخلات الخارجية، وبمدى التزام جميع الأطراف بالاتفاق ولا سيما عناصر مليشيات حركات التمرد في جنوب السودان الخارجين حتى عن سيطرة قياداتهم. ولفت الباحث إلى أن موسكو قادرة أيضا على التأثير في العلاقات البينية بين الجنوب والشمال من زاوية التعاون العسكري التقني، ذلك أن السلاح السوداني في معظمه سلاح روسي وبإمكان موسكو تقليص تعاونها مع الخرطوم لتقليل احتمالات شن هجوم على الجنوب، علما بأن احتمالات حدوث ذلك ضئيلة -بحسب الخبير- وكذلك الحال بالنسبة لجوبا التي ترغب بالحصول على السلاح لدعم أمنها.
عموما الواقع يشير إلى ضرورة أن تعمل قيادات الدولتين سوياً لوقف النزاعات الداخلية والاستفادة من مواردهما في إطار تكاملي، بجانب إيجاد حلول لكافة القضايا العالقة. فقضايا السلام في الدولتين مرتبطة ببعضها البعض، وأن كل دولة تتأثر بعدم استقرار الأخرى، ما يحتم على الطرفين العمل سوياً لتجاوز التحديات التي تواجههما خاصة الأمنية.فمستقبل الدولتين مرتبط بمدى التعاون المشترك بينهما.

الثلاثاء، 5 يناير 2016

البشير: نعمل منفردين ومع الإيقاد للسلام في جوبا

أكد الرئيس السوداني عمر البشير، يوم الإثنين، دعم بلاده لتحقيق السلام بدولة جنوب السودان، مؤكداً عمق العلاقات بين البلدين. وقال إن السودان يعمل منفرداً وضمن الإيقاد، من أجل تحقيق السلام والاستقرار في جنوب السودان.
والتقى البشير في مكتبه بالقصر الرئاسي في الخرطوم، وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة جنوب السودان برنابا بنجامين الوفد المرافق له، وبحضور وزير خارجيته أ. د إبراهيم غندور.
وقال غندور للصحفيين، إن وزير خارجية دولة جنوب السودان قدم تقريراً للرئيس البشير حول السلام في جنوب السودان، كما نقل إليه رسالة شفهية من نظيره الجنوبي سوداني سلفاكير ميارديت تتعلق بدفع العلاقات الثنائية.
وأشار إلى أن البشير قد أكد عمق العلاقات بين البلدين والشعبين وأنهما شعب واحد في بلدين، بجانب التأكيد على رغبة السودان في العمل من أجل استقرار جنوب السودان.
وأضاف غندور، قائلاً "الرئيس البشير أشار إلى أهمية انعقاد اللجنة الأمنية المشتركة بين البلدين". وامتدح علاقات وزارتي الخارجية في البلدين التي أدت إلى تفاهمات وتوقيع الاتفاق باللجنة السياسية الأمنية.
من جانبه، أوضح بنجامين أن الرئيس البشير أكد أهمية علاقات الخرطوم وجوبا، مع ضرورة إكمال ترسيم الحدود وتنفيذ اتفاق التعاون المشترك، مبيناً أن السلام في السودان هو السلام في جنوب السودان، مرحباً بالحوار الذي يجري بين السودانيين لأجل تسوية القضايا.

سد النهضة رمز للإرادة السياسية والتعاون المشترك

مياه الأنهار المشتركة ليست ملكاً لدول المنبع وحدها وإنما هي ملك أيضاً لدول المجرى والمصب، فهي ثروات مشتركة لكل الدول المشاطئة للنهر وتنظمها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية تحت رعاية الأمم المتحدة من أجل الحفاظ على الأمن والسلم والوليين مياه نهر النيل معظمها يأتي من الهضبة الإثيوبية عن طريق النيل الأزرق وتبلغ نسبتها 86% بينما يغذي النيل الأبيض نهر النيل بنسبة 14%. إثيوبيا دولة منبع، ومن حقها الاستفادة من مياه نهر النيل بنص القانون الدولي والاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية التي تنظمها حقوق الدول في الأنهار المشتركة. فكرة إنشاء سد النهضة بدأت في العام 1964، وما إن شرعت إثيوبيا في إنشاء السد في أبريل 2011م بادرت مصر بمعارضتها لعملية إنشاء السد خوفاً من أن يؤثر السد في حقوقها التاريخية في مياه نهر النيل حساسية مصر نحو مياه النيل التي تعدها أمن قومي لها قادتها إلى معارضة شرسة لإنشاء السد حتى بلغت مرحلة المواجهة العسكرية التي هددت بها مصر، فردت إثيوبيا على ذلك باستعدادها لتلك المواجهة العسكرية. السودان شريك أصيل في مياه نهر النيل وليس وسيطاً ومن منطلق مسؤوليته التي تمليها عليه هذه الشراكة لعب دوراً محورياً في تحويل المواجهة العسكرية بين مصر وإثيوبيا إلى شراكة استراتيجية بين الدول الثلاث عبر وثيقة اتفاق جديدة تم توقيعها في الخرطوم مؤخراً. تضمنت وثيقة الخرطوم الجديدة اتفاق الأطراف الثلاثة على الشركات التي ستقوم بالدراسات الخاصة بتقييم فوائد وأضرار السد وتأثيرها على الدول الثلاث، وتم هنا اختيار شركتين فرنسيتين للقيام بهذه الدراسة التي ستبدأ في الأسبوع الأول من فبراير القادم بعد توقيع العقود مباشرة، على أن تكتمل الدراسة في مدة أقصاها عام كامل. تم الاتفاق كذلك على إجراءات بناء الثقة عن طريق اجتماعات متقاربة كما تم أيضاً الالتزام بإعلان المبادئ الموقع بواسطة الرؤساء في مارس الماضي بالخرطوم تم كذلك الالتزام بعدم الضرر لأي دولة الذي تضمنه إعلان المبادئ، وهذا يعني أن سد النهضة  سيتحول إلى حصاد مياه لصالح الدول الثلاث إذا ما صدقت النوايا، تم الاتفاق أيضاً على أن يتم السد بطريقة آمنة وسليمة، وأن يتم التشغيل بطريقة آمنة وسليمة لا تؤثر بشكل جدي على مصالح الدول الثلاث، أما مسألة ملء السد وتشغيله فقد تركت للدراسات. وجه وزير الخارجية الإثيوبي الدعوة لرصفائه الوزراء وللبرلمانيين وللدبلوماسيين وأجهزة الإعلام المختلفة لزيارة موقع السد للتأكد من أن فوائده تخدم الجميع ولبناء الثقة وإزالة المخاوف وتعزيز روح التعاون.
الجدير بالذكر أن الإنشاءات بسد النهضة قد اكتملت بنسبة 55%  وأن السعة التخزينية لبحيرة السد تبلغ 74 مليار متر مكعب من المياه كما تمت إعادة مجرى النهر لمساره الطبيعي سد النهضة الآن أصبح جاهزاً لاستقبال الفيضان القادم، سد النهة أصبح أمراً واقعاً، وعلى مصر أن  تتعايش مع هذه الواقع وثيقة الخرطوم الجديدة لعبت دوراً كبيراً في طمأنة مصر على أن مصالحها في مياه نهر النيل مرعية ومحفوظة. مصر بثقلها السياسي كان ينبغي عليها أن تلعب دوراً كبيراً في أن يكون سد النهضة نموذجاً ورمزاً للتعاون العربي الأفريقي المشترك تتكمامل فيه جهود الصناديق العربية مع صندوق التنمية الأفريقي، ولكن يبدو أن حساسية  مصر المفرطة نحو مياه نهر النيل قد حالت دون ذلك.
خلاصة القول: لا شك ان هذا الاتفاق التاريخي سيحظى بترحيب ودعم دولي وإقليمي، نهر النيل يمثل شريان حياة للدول الثلاث، ورابطاً قوياً بينها يحفظ أمنها القومي والإقليمي، ويحتم ذلك التعاون المشترك بينها لتطوير مياه نهر النيل عن طريق الشراكة الذكية التي تحقق المصالح المشتركة لشعوب المنطقة. الدبلوماسية السودانية الذكية حولت أزمة سد النهضة إلى شراكة استراتيجية، أزمة سد النهضة برهنت على أهمية الحلول السياسية ودور الدبلوماسية الذكية في معالجة القضايا المشتركة بين الدول من أجل الحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي. ختاماً: المطلوب من إعلام الدول الثلاث خاصة الإعلام المصري أن يدعم إعلان المبادئ الذي وقعه الرؤساء بالخرطوم الذي تم على ضوئه توقيع وثيقة الاتفاق الأخيرة، وبالله التوفيق.

(وساطة) جوبا .. وذاكرة برنابا الـ(مثقوبة)!

* في أخبار هذا الأسبوع جوبا تجدد رغبتها في التوسط بين الخرطوم والحركة الشعبية قطاع الشمال، حيث قال وزير خارجية جنوب السودان برنابا بنجامين أن بلاده تبذل مساع يتبناها رئيس الدولة سلفاكير ميارديت للتوسط بين حكومة السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال.
* ذات هذه (الوساطة) كشف عنها الفريق أول ركن مهندس محمد عطا المولي عباس مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني في حواره مع صحيفة السوداني الشهر الماضي، وقال في ذلك الحوار إن دولة الجنوب تري طرد حركات دارفور، بينما تفضل عقد وساطة بشأن (قطاع الشمال) وهذا يعني بحسب عطا أن الجنوب يمكنه التضحية بحركات دارفور لكن لازالت لديه (رغبة) لمساعدة قطاع الشمال.
* عطا قال في ذلك الحوار بالنسبة للتوسط مع القطاع فالفكرة (مرفوضة)، ولا أدري لماذا تجدد دولة الجنوب ذات رغبتها القديمة التي تم رفضها بحسب تصريحات السيد مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني المار ذكرها في هذا التوقيت بالذات؟
* وللإجابة على هذا التساؤل لابد لنا من طرح تساؤل آخر أكثر وضوحاً من الأول، وهو هل دولة الجنوب (محايدة) في هذا القضية؟..
دولة الجنوب ليست محايدة لسبب بسيط لأنها قبلت أن تطرد حركات دارفور من أراضيها مع الإبقاء على (قطاع الشمال).
* وقد ذكرت في تحليل سابق أن دولة الجنوب يمكنها التضحية بحركات دارفور، وتقوم بطردها مباشرة من أراضيها لكن لازالت لديها (الرغبة) في مساعدة قطاع الشمال، بمثل ما نادي به وزير خارجيتها برنابا بنجامين وهو يجدد دعوة الوساطة.
* أيا كانت الوساطة التي تقدم بها وزير خارجية الجنوب ومدي شمولها لحركات دارفور أو قطاع المشال، يظل الرفض متجدداً من الجانب السوداني، لأن الجنوب لم ينفذ فعلاً ايجابياً واحداً لصالح السودان يجدد الثقة فيه من جديد.
* عندما وقع طرفا الأزمة في جنوب السودان (حكومة ومعارضة مسلحة) على اتفاقية السلام بينهما كان من ضمن شروط الاتفاقية والذي تقدم به أحد الأطراف طرد الحركات الدارفورية من الأراضي الجنوبية، والسبب واضح وهو أن أحد الأطراف استخدم (الحركات) لخدمة أجندته ومصالحه، ومعلوم أن الحركات تسعي نحو المال، وذات الأنموذج نهض في جنوب ليبيا عندما ناصرت ذات (حركات دارفور) أحد أذرع الصراع في ليبيا أيضاً بسبب المال.
* تشكل الأراضي الجنوبية (المأوي) للحركات المتمردة التي تحارب الخرطوم، والدولة الجنوبية هي التي تقدم الدعم لهذه الحركات بكافة أشكاله، وحتى معسكرات تدريب هذه الحركات موجودة في الأراضي الجنوبية.
* معركة (قوز دنقو) الشهيرة التي كانت بمثابة (كسر العظم).
لحركة العدل والمساواة المتمردة وبقايا الجبهة الثورية كانت نقطة انطلاقها من الأراضي الجنوبية، بل أصبحت الأراضي الجنوبية محور الحركة ومركز الانطلاق لجبهة قتالية جديدة.
* لا أعتقد أن هذه الحقائق تغيب عن ذاكرة وعقل السيد برنابا بنجامين وزير خارجية دولة الجنوب وهو يدعو ويجدد الدعوة القديمة المتجددة برغبة جوبا في قيادة وساطة بين السودان والحركات المتمردة، وطالما أن جوبا لا تنفي (إنحيازها لن تبارح الدعوة خانة الرفض.

مأزق العلاقات المصرية الإثيوبية

إلى متى هذا الاختناق المتبادل في العلاقات المصرية الإثيوبية بسبب مشروع سد النهضة؟ وأين موقع السودان في هذا الانسداد للعلاقات الثنائية، والذي يمتد تدريجيا إلى وقائع العلاقات الثلاثية؟ حملت الأخبار الكثير من علامات الاستفهام، التي يجيب عليها البعض بالتفاؤل والآخر بالتشاؤم، أثناء وبعد اجتماعات الخرطوم في 27/28 ديسمبر 2015. ويلفت النظر فيما سمى «وثيقة الخرطوم»، التي صدرت هكذا للإيحاء بأنها تطور لوثيقة أو «إعلان المبادئ» في مارس 2015 أيضاً. وما لفت النظر هو التعليقات الرسمية التي أعقبتها، من القول بأنها «مطمئنة»(مصر)، أو أنها «تاريخية وقانونية» (السودان)، أو أنها تعبر عن «الشراكة الاستراتيجية»(إثيوبيا) بما لكل ذلك من دلالات. والحق أن الصيغ الثلاث تعبر بالفعل عن طبيعة موقف وحالة الأطراف الثلاث، ونتائج مباحثاتهم، والكل في النهاية قد نجح في «تأجيل الأزمة» ببعض التزحزح عن الموقف القديم، تاركاً إياها ل«نتائج الدراسات» (8-12 شهر)، واستمرار «التفاوض» والعودة للمرجعية العليا – لجنة الرؤساء. هذه الصورة المدققة لا توحي بالتشاؤم، أو التفاؤل، لكنها توحي في الواقع بقدر من التقدم لمصلحة المفاوض المصري في «تأجيل الأزمة»، وقدر من المهارة لدى الإثيوبيين للتخفيف الفعلي من مخاوف المصريين وامتصاص غضبهم! ثمة عدة عوامل تدفع لهذه الاستنتاجات القابلة بدورها للجدل.
فالمصالح الرأسمالية العالمية معنية عبر أدواتها في البنك الدولي وغيره بقضية مشروعات الطاقة من جهة، ومصدرها المائي من جهة أخرى، وفي أفريقيا ينسق ذلك بعناية بين المياه التي تسقط على هضبات إثيوبيا والكونغو، وفوتاجالون على الأقل، وصلة ذلك معروفة بسدود كبرى على نهر النيل والكونغو والنيجر، ولذا تلعب الدول الكبرى أدوارها لدى دول الأحواض، وهي ناجحة على نهر الكونغو والنيجر وزمبيزي، لكنها ما زالت تحتفظ بكلمتها – أو قل لا نعرفها جيداً - بالنسبة لنهر النيل مع إثيوبيا ومصر. ومن هنا ذلك الغموض الذي يحيط بالأزمة المصرية الإثيوبية
لكن ثمة اعتبار آخر، حيث يشكل النظام الإقليمي والدولي عاملاً لمصلحة الاطمئنان الإثيوبي حتى الآن. فأمام إثيوبيا تعاملات مع أطراف مختلفة الاتجاهات من إيطاليا إلى الصين إلى الهند، فضلاً عن البنك الدولي والولايات المتحدة، (بل وتزحف إليها عناصر جديدة مثل تركيا. ولذا لا تبدو إسرائيل ذات وزن هنا). لكن معظم هؤلاء أنفسهم ذوو صلة مماثلة بمصر، وخاصة إزاء المصالح الإيطالية في غاز البحر المتوسط أو الصينية في طريق الحرير..الخ
هناك عامل أقل خطورة يتمثل في الموقف السوداني نفسه، والمفروض أن ينطلق من عضويته مع مصر في الهيئة العليا المشتركة لمياه النيل منذ 1959 على الأقل، وخبرة مصر في ضبط النهر وسدوده، قديمة ومقدمة للسودان منذ عقود، ومع ذلك فإن استفادة النظام في السودان – ولا أقول الدولة- من مهادنة مصر له في تلك الفترة بسبب مشكلة السد تعتبر عنصراً مهماً تجعل السلطات السودانية هنيئة البال مع الموقف الإثيوبي وليس المصري، خاصة والإغراء بمد بالطاقة الرخيصة – للسودان- بعد قيام السد في ظروف البلد الاقتصادية السيئة يعتبر دافعاً لاستجاباتها أكثر للموقف الإثيوبي. هناك اعتبار داخلي في إثيوبيا له أثره متعدد الوجوه، فإثيوبيا لابد أن تربط مشاريعها القومية بسرعة تنمية نافعة لشعوبها، وأهم هذه الروابط هو سمعة صلاحيتها للاستثمارات، وخاصة بعد إنشاء مثل هذا السد، مع مراعاة أن معظم قوى الاستثمار دولية أو عربية ذات صلة بمصر أيضاً كما أشرنا. والحقائق الاقتصادية عن إثيوبيا كما رواها اقتصادي متخصص مثل «أحمد النجار» في مصر تحيل إلى وضع في إثيوبيا لا تحسد عليه أبداً، يدفعها لضرورة اللجوء لمشروعات التنمية المشتركة والتكاملية (كما تتضح دائما) على وجه السرعة. فإثيوبيا في تقارير البنك الدولي 2015 تملك دخلاً قومياً (–اسمياً-) إجمالياً 53.2 مليار دولار مقابل 273.1 مليار دولار لمصر، وباحتساب الناتج القومي طبقاً لتعادل القوى الشرائية نجده 144.4 مليار دولار في إثيوبيا مقابل 919.2 لمصر، ويبلغ متوسط تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في إثيوبيا 1.2 مليار دولار مقابل4.8 مليار في مصر، والمتراكم منه في إثيوبيا 7.3 مقارنا بنحو 8.8 مليار في مصر. أما الديون الخارجية فتعادل 26.8% من الناتج القومى في إثيوبيا، و16.7% في مصر. هذه عوامل مهمة في أية حسابات لتصرف الدولتين في تقديري، ولذا أقول إن المهارة الإثيوبية جعلت معدل النمو الحقيقي بالنسبة لناتجها المحلي الإجمالي 10.2%، (بين 2007-2014) بينما يحبو في مصر عند 4% طوال هذه الفترة!
إذن فالدولتان في سباق التنمية بأكثر مما هما في سباق كسب معركة الاتفاق حول«الملء الأول» «والتخزين والتشغيل» مما اتفق على حسمها عقب الانتهاء من الدراسات. ولذا ثمة عروض مصرية متكررة عن المشروع المشترك لاستخدام المياه والكهرباء، ولابد أن ثمة دراسات أيضا لا أشعر بوجودها حول متغيرات الجفاف والفيضان اللذان تضار منهما إثيوبيا والسودان قدر الإضرار بمصر، بل وهناك الاعتبارات السياسية الداخلية على الجانبين. والأهم من ذلك على الجانب المصري زراعياً وإنسانياً، مدى قوة الضغط المصري في الدائرة العربية والدولية، لتصبح مصر جاذبة للاستثمار، أو معبئة للمواقف المعاونة لها تجاه إثيوبيا، ولن يفيد هنا طبعاً المهارة في تسويق الأوهام والضبابية. لا مفر إذن من استمرار التفاوض واستعمال كل الأوراق مع التشاور الشعبي حولها.

الاثنين، 4 يناير 2016

غداً.. وفد فني يُغادر ﻷديس أبابا لحضور اجتماعات «سد النهضة»

يغادر القاهرة، غداً الثلاثاء، وفد فني من وزارة الري، متجهاً إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لدراسة المقترح المصري بفتحات تصريف المياه خلف سد النهضة من 2 إلى 4 بوابات، بحضور استشاري من شركة “ساليني” الإيطالية المنفذ للسد.
ويشمل تصميم سد النهضة، فتحتين لتمرير المياه تحت جسم السد، وأربع فتحات لتوليد الكهرباء في مستوى جسم السد نفسه، ويشمل المقترح المصري زيادة عدد فتحات تمرير المياه من خلف جسم لضمان استمرار تدفق المياه خلال فترات المناسيب الضعيفة لمجرى نهر النيل في اتجاه السودان ومصر.
ومن المقرر، أن يتم خلال الاجتماع مناقشة الدراسات الفنية المصرية والإثيوبية للوصول إلى تقرير سيتم رفعه إلى اللجنة السداسية.

حاجات مصر المائية وسد النهضة

قال الدكتور علاء النهري -نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء بالأمم المتحدة، إن الأقمار الصناعية أظهرت أن عملية تخزين جزئي لسد النهضة الإثيوبي قد بدأت فعلا مع انتهاء إثيوبيا من إنشاء توربينين كاملين وتشغيلهما وإطلاق المياه فيهما لتوليد الكهرباء.. وأضاف الدكتور النهري أن تشغيل توربينين يعني رفع منسوب المياه فوق 40 مترا وراء السد، وأن أديس أبابا ستزيد عدد التوربينات التي تعمل بالسد مما سيضطرها لحجز كميات أكبر من المياه ومعلوم أن سعة خزان سد النهضة الإثيوبي هي 74 مليار متر مكعب ويحتاج ملئه إلى أكثر من 85 مليار متر مكعب أي ما يزيد على حاجة مصر في عام ونصف وفي نفس هذا الوقت لوحظ انخفاض في منسوب مياه النيل في بعض المناطق المصرية إلى نحو 90 سم عن معدله الطبيعي في مثل هذا الوقت من العام الماضي.
هذه الأنباء أعادت إلى الواجهة من جديد إشكالية سد النهضة خاصة بعد عودة وزير الري المصري من الخرطوم، وتعليقه على فتح بوابات السد وبدء التخزين بقوله "لا توجد معلومات لدى مصر عن بدء التخزين وهذه الخطوة لا تعني بدء التخزين في بحيرة السد، كما أقلقت هذه الأنباء المصريين ووضعت الرئيس عبدالفتاح السيسي محل اتهام وتقصير وبدأ محللون مصريون بإلقاء اللوم عليه لتوقيعه والسودان اتفاق إطار مع إثيوبيا في 23 مارس 2015 وهو الأمر الذي لم يفعله حسني مبارك فقد تمسكت مصر في عهده بصلابة موقفها القانوني المدعوم بالأصول والأعراف القانونية الدولية والوثائق التي تضمن تدفق مياه النيل من دول المنبع إلى مصبه في البحر المتوسط وهي تسع اتفاقيات أبرزها اتفاقية عام 1929 المدعومة بعد ذلك باتفاقية عام 1959 وقد نصت جميعها على أن حصة مصر من نهر النيل هي 55.5 مليار متر مكعب وأنه لا حق لإثيوبيا في بناء أي سدود أو منشآت على النيل الأزرق أو روافده والذي يمد نهر النيل بما يتراوح ما بين 80% إلى 85% من مياهه إلا بعد الحصول على موافقة مصر والسودان ويعتبر كثير من المصريين اليوم توقيع السيسي على اتفاق إطار مع إثيوبيا تنازلا منه عن حقوق مصر المائية واعترافا منه بالأمر الواقع مما اضطره إلى طمأنة الشعب المصري بقوله: المصريين قلقانين وأنا عاوز أقول اطمنوا الأمور ماشية بشكل جيد، وأنا مضيعتكمش قبل كده علشان أضيعكم تاني ومش هنضيعكم"، وتطورات سد النهضة وموقف الحكومة المصرية السلبي الذي يعده المعارضون إطلاقا ليد إثيوبيا وجريا وراء سراب اللجنة الفنية حمل حزب مصر القوية إلى إصدار بيان حمل فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظامه المسؤولية الكاملة عما وصفه بـ "خطيئة التفريط في حقوق مصر التاريخية والقانونية في مياه النيل وذلك بتوقيعه منفردًا وبلا أدنى درجات الشفافية وبغير توافق وطني على اتفاق إعلان المبادئ وما ترتب على ذلك من خلق واقع وإطار قانوني بديل عن الاتفاقيات الدولية المستقرة وشرعنة عمل عدائي يهدد بوضوح مستقبل ووجود الدولة المصرية، وبعد أن عدد البيان مخاطر سد النهضة طالب النظام بمكاشفة الرأي العام وبالتحلي بالشفافية والمسؤولية، كما أهاب بالبرلمان عدم التصديق على اتفاق إعلان المبادئ كفرصة أخيرة للتنصل من الالتزام به كإطار قانوني بديل عن الاتفاقيات السابقة له.. ويقول بعض الخبراء في كل الأحوال لا يمكن الوثوق بنوايا وتعهدات إثيوبيا التي ربما باعت الماء قبل الكهرباء وإذا كان طريق اللجوء إلى مجلس الأمن والتحكيم الدولي بطيئا واستخدام القوة الناعمة ليس متاحا بعد قطيعة طويلة فإن استخدام القوة العسكرية مستحيل في هذه الظروف كما أن مشروع تحويل مياه نهر الكونغو عبر مجرى نهر النيل إلى مصر أمر يحتاج إلى موافقة دول ودراسات مستفيضة، ولا يبقى إذن أمام مصر إلا أن تصر على المشاركة في إدارة السد ومد زمن ملئه لنحو 10 سنوات على الأقل حتى لا تتعرض احتياجاتها المائية إلى النقص الحاد.

دولتي السودان: جولة مباحثات ثالثة لطي الخلافات

اتفق السودان وجنوب السودان، خلال مباحثات مشتركة الأحد، على المضي قدماً في إنفاذ اتفاقيات التعاون المشترك الموقعة بينهما والعمل سوياً من أجل حلحلة مشاكلهما عبر الحوار، وحددا جولة مباحثات ثالثة بالخرطوم قريباً لطي القضايا العالقة.
وأكد وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير خارجية جنوب السودان برنابا بنجامين، عقب المباحثات، حرص بلاده على إحلال السلام بدولة جنوب السودان.
وأعلن أن الطرفين اتفقا خلال جولة المباحثات على العمل المشترك لحل كل القضايا بين البلدين، بحسب توجيهات الرئيسين البشير وسلفاكير.
وأشار إلى جاهزية السودان لعلاقات صادقة مع دولة جنوب السودان، لخلق علاقات أخوية تكون أنموذجاً عالمياً، مبيناً أن جولة المباحثات الحالية تعد الجولة الثانية، حيث كانت الأولى في العام الماضي بالعاصمة الروسية موسكو.
ووصف مباحثات موسكو وقتها بأنها موفقة وأنها أُنجزت في وقت وجيز وفتحت الباب واسعاً للجانبين للتحاور وحل كل المشاكل، لافتاً إلى أن الترتيبات والتحضيرات تجري حالياً لعقد جولة ثالثة من المباحثات المشتركة بالخرطوم قريباً.
وقال غندور إن زيارة وزير خارجية دولة جنوب السودان، برنابا بنجامين، للسودان تؤكد عمق ومتانة العلاقات التي تجمع الدولتين والشعبين. وتابع قائلاً "مستقبل الدولتين مرتبط بمدى التعاون المشترك بينهما".
وأشار إلى أن وزير خارجية دولة جنوب السودان سيلتقي خلال زيارته بعدد من المسؤولين في الحقل التعليمي، في إطار متابعة قضايا مواطني الجنوب بالسودان.
بدوره، وصف بنجامين، جلسة المباحثات بالناجحة وعدّها خطوة للأمام نحو ترسيخ دعائم لعلاقات أخوية وحسن جوار قوي، خاصة فيما يتعلق بالحريات والتجارة وبقية الأصعدة.
وتابع الوزير قائلاً "إن بلاده تدعو لاستمرار الحوار مع السودان والتعاون على أساس اتفاقية التعاون التي وقعها الرئيسان البشير وسلفاكير.
وعبّر عن أمل بلاده في أن يوفق السودان في الوصول إلى تسويات وحلول لقضاياه مع الحركات المسلحة، مؤكداً أن قضايا السلام في الدولتين مرتبطة ببعضها البعض، وأن كل دولة تتأثر بعدم استقرار الأخرى، ما يحتم على الطرفين العمل سوياً لتجاوز التحديات التي تواجههما خاصة الأمنية.
وأعرب عن تقدير حكومة جوبا للسودان لاستقباله اللاجئين الجنوبيين ومعاملتهم كمواطنين، مبيناً أن المباحثات تطرقت لكل القضايا التي تواجه وجود اللاجئين الجنوبيين بالسودان.
وقال برنابا إنه لابد للدولتين والشعبين من العمل سوياً لوقف النزاعات الداخلية والاستفادة من مواردهما في إطار تكاملي، مبيناً أن بلاده تتبع سياسة منفتحة تجاه السودانيين بأراضيها.
وأضاف أن زيارته للخرطوم على رأس وفد من جوبا، جاءت للمشاركة في احتفالات البلاد بالذكرى الـ60 للاستقلال، تأكيداً على الروابط العميقة التي تجمع البلدين.
وذكر أن الزيارة تزامنت مع اجتماعات اللجنة الأمنية المشتركة في الخرطوم، التي يسعى من خلالها الجانبان لإيجاد حلول لكافة القضايا العالقة.
ونقل برنابا للسودان حكومة وشعباً، تهاني الرئيس سلفاكير بمناسبة ذكرى الاستقلال، مشيراً إلى اتفاق السلام الذي وقعته حكومة جوبا مع المعارضة المسلحة مؤخراً.
ونوّه إلى وجود وفد رياك مشار حالياً بجوبا في إطار تنفيذ الاتفاق، مبيناً أنه أطلع القيادة السودانية بهذه التطورات والخطوات، باعتبار السودان من المساهمين في حل مشاكل الجنوب.
وأقر بتأثر إنتاج النفط في بلاده بسبب النزاع، وأن الإنتاج الحالي تدنى إلى 170 ألف برميل في اليوم، متوقعاً ارتفاع الإنتاج خلال الفترة المقبلة خاصة بعد توقيع اتفاق سلام مع رياك مشار، مبيناً أن مصلحة الدولتين في ارتفاع إنتاج النفط.

الأحد، 3 يناير 2016

هل عالج إعلان الخرطوم أزمة سد النهضة؟

ظل الإعلام المصري خاصة والرأي العام المصري مشغولاً خلال الأسبوع الماضي بمآلات المحادثات الدائرة بين دول حوض النيل الثلاث -مصر وإثيوبيا والسودان– حول تداعيات تنفيذ سد النهضة الإثيوبي، والتوقعات من الاجتماع الثلاثي الذي ضم وزراء الخارجية والري في الدول الثلاث، في محاولة أخيرة للوصول إلى حل توافقي وسط أجواء توحي بأن مثل ذلك الحل ما زال أملاً بعيد الاحتمال، وأن استمرار العمل في المشروع بالطريقة الحالية يثير قلق مصر على أمنها المائي تجاه مشروع السد، إذ تبنّى فريق منه فكرة تصعيد الصراع إلى التحكيم وعرض النزاع على محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن، ويقود هذا الموقف وزير ري مصري سابق ويشاركه الرأي عدد من الكتاب والمعلقين، بينما يرى آخرون الاستمرار في الحوار مع ممارسة شتى أنحاء الضغوط الدبلوماسية والاستعانة بالدول الإفريقية المؤثرة، في حين ترى الحكومة أن تواصل مفاوضاتها مع طرح مشروع أكبر للتعاون بين مصر وإثيوبيا على أمل أن يقنع ذلك دولة المنبع إثيوبيا على قبول تقليل حجم السد بالتوقف في البناء عند مرحلة أولى لا تلحق ضرراً ملحوظاً بالأمن المائي المصري – على أن الجميع مع مختلف توجهاتهم يتفقون على أن مصر ليست في موقف يسمح لها بتقليل كمية المياه التي تحصل عليها حاليا باعتبار أن الكمية الحالية (خمسة وخمسين مليار متر مكعب سنوياً) ما عادت تكفي حجم سكانها المتزايد بنسب عالية، ومن ثم فإنها ستواجه خطراً حقيقياً لو قدر لسد بهذا الحجم أن يقوم على النيل الأزرق.
وكان الأمل معقوداً على أن تكتمل الدراسات الفنية رفيعة المستوى التي اتفقت عليها الدول الثلاث في وقت مناسب، وكان منتظراً أن تكون الآن في أيدي خبراء الدول الثلاث، لكن حدث تباطؤ –مصر على قناعة بأنه تباطؤ مقصود– في إنجاز هذه الدراسة المهمة التي كانت ستحدد بالضبط النتائج المحتملة لقيام هذا السد ومقدار الضرر الذي سيلحقه بالدول الأخرى، ومع أن الدراسة قد تأجلت بسبب هذا التباطؤ فإن بناء السد تواصل بوتيرة السرعة السابقة دون أن تكون الدراسة قد أنجزت، لذلك كانت مصر تريد لاجتماع الخرطوم الأخير أن يحقق أمراً أساسياً وهو إقناع إثيوبيا بوقف البناء في السد إلى أن تكتمل الدراسة أو أن توافق على أن تكمل المرحلة الأولى ثم تتوقف إلى أن تنتهي الدراسة الفنية، ومن ثم يتم تقييم الآثار التي تكشف عنها الدراسة، ولكن إثيوبيا في اجتماع الخرطوم رفضت تماماً هذا المقترح وربما كان هذا هو السبب في تمديد فترة المفاوضات من يومين إلى ثلاثة أيام حتى تستطيع الأطراف الثلاثة أن تعلن عن اتفاق على بعض القضايا الثانوية التي حسمتها هذه المفاوضات، وأن تصدر تحت العنوان الكبير (إعلان الخرطوم) ما توصلت إليه من تفاهمات على أن تستأنف المحادثات بعد شهر من الآن لبحث القضايا العالقة، وهذا يعني أن الخلاف الأساسي ما زال قائماً وأن مصر لم تفقد الأمل وأنها ما زالت تؤمل في تدخلات رئاسية وفي اتصالات جانبية من رؤساء الدول الثلاث لتفعيل اتفاق المبادئ الذي صدر في اجتماع قمة الخرطوم الثالث، والذي مهره توقيع رؤساء الدول الثلاث ورغم أن ذلك الإعلان قد صيغ لكي يضع قواعد للتعامل والتعاون بين دول حوض النيل الثلاث، إلا أن بعض فقراته اتسمت بالغموض مما منح كل طرف الفرصة لكي يفسره بالطريقة التي تناسبه.
لقد كانت مصر تريد لاجتماع الخرطوم أن يحقق لها ثلاثة أهداف هي:
أولاً تريد حسم قضية الاتفاق على بيتي الخبرة اللذين يتوليان الدراسة الشاملة لمشروع السد، وقد تم الاتفاق على ذلك، وهو ما تعتبره مصر إنجازاً، وكان مطلبها الثاني تقليص الزمن الذي يستغرقه إعداد الدراسة بواسطة بيتي الخبرة إلى تسعة أشهر، وثم ثانيا - ألا تتجاوز الدراسة تسعة أشهر ولم يتحقق ذلك، ولكن تم الاتفاق على حل وسط في الخرطوم بأن تستغرق الدراسة ما بين خمسة أشهر واثني عشر شهرا، وهذا يعني أن بيوت الخبرة هي التي ستحدد الزمن المناسب لها على ألا يتجاوز العام الواحد، والهدف الثالث وهو الأكبر فيما يخص الموقف المصري، فقد كان إقناع إثيوبيا بأن تجمد العمل في بناء السد عند مرحلة معينة في انتظار نتائج الدراسة أو على الأقل أن تنجز مرحلة من البناء تسمح لها بتخزين تجريبي للمياه في حدود ثلاثة مليارات من الأمتار المكعبة حتى تقف الدول الثلاث على الأثر المحدود لمثل هذه الكمية الصغيرة، وحساب مدى أثرها على مصر عندما يطبق الحجم الكبير، وهذا هو ما رفضه الجانب الإثيوبي لكنه قبل الالتزام بتنفيذ قرارات بيتي الخبرة في هذا الصدد، بينما كانت مصر تعتبر أن موافقة إثيوبيا على الاقتراح المصري ستدعم روح إعلان المبادئ المتفق عليه.
مهما يكن من أمر فإن اجتماع الخرطوم قد سادته رغبة في التوصل إلى حلول وسطى وشارك فيه الرؤساء الثلاث من وراء ستار، وقد حقق أقصى ما يمكن تحقيقه في هذه المرحلة، ولذلك آثر كل طرف من أطراف الصراع أن يعتبر ما أنجز تقدماً حقيقياً وأن يعرب عن أمله في أن الاجتماع الذي سينعقد بعد شهر سوف يحسم القضايا العالقة.

القاهرة تبدأ تحضيرات لقمة البشير والسيسي

بدأت الحكومة المصرية، السبت، تحضيرات واسعة لعقد القمة المرتقبة بين الرئيسين السوداني عمر البشير والمصري عبد الفتاح السياسي، التي لم يحدد تاريخ بعينه لالتئامها. ومن المقرر أن تسبقها أعمال اللجنة العليا المشتركة بين البلدين.
وذكرت وسائل إعلام مصرية أن وزارة الخارجية المصرية استضافت اجتماعاً، ضم عدداً من الجهات المعنية بالدولة، حول العلاقات مع دولة السودان، في ضوء التطورات التي شهدتها هذه العلاقات على مدى الشهرين الماضيين.
ونقلت عن مصادر مطلعة أن وزارة الخارجية تعكف على إحاطة الجهات المعنية بالدولة بكل ما يتعلق بالعلاقات مع دول الجوار، ولا سيما بخصوص الشؤون ذات الصلة بالأمن القومي.
وأضافت المصادر أن مسألة حلايب لم تكن المحور الرئيس للاجتماع بل جزء منه، حيث تمت مناقشة التحضيرات الجارية لعقد اللجنة المشتركة بين البلدين والقمة المرتقبة بين الرئيس  السيسي والرئيس السوداني البشير.
وعقد الرئيسان البشير والسيسي أربعة اجتماعات خلال العام 2015 بحثت في مجملها قضايا العلاقات الثنائية وقضايا الحدود والتكامل الاقتصادي والمياه، بجانب القضايا الإقليمية الملحة ومنها الملف الليبي، بجانب القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك.

برنابا: جوبا تمتدح مساندة البشير لعملية السلام

قال وزير الخارجية بدولة جنوب السودان، إن حكومة بلاده تثمن إعلان الرئيس عمر البشير في خطابه، بمناسبة الذكرى الـ 60 لاستقلال السودان، مساندة عملية السلام في دولة الجنوب، ومواصلة للمجهودات المشتركة بين الدولتين لتعزيز التعاون وحل الملفات العالقة.
وأوضح وزير خارجية جنوب السودان برنابا بنجامين، أن الاجتماع الذي سيعقده، الأحد، مع نظيره السوداني إبراهيم غندور، سيركز على اتفاقية التعاون المشترك والقضايا العالقة وسبل تنشيط عملية السلام وإرساء مبادئ حسن الجوار والتعايش السلمي وفتح الحدود.
وأضاف بنجامين أن زيارته الحالية للخرطوم جاءت تلبية لدعوة من نظيره السوداني إبراهيم غندور لمواصلة الحوار بشأن تعزيز وتقوية العلاقات الثنائية بين البلدين.
إلى ذلك، أكد بنجامين، حرص حكومة بلاده على تنفيذ اتفاق السلام الذي وقعته مع المعارضة المسلحة بقيادة (رياك مشار)، نائب الرئيس السابق والعمل على إزالة العقبات التي تعترض تنفيذه.
وقال بنجامين إن إعلان انتهاء الحرب في دولة جنوب السودان من قبل طرفي النزاع ووساطة (الإيقاد) هو أهم خطوة شهدتها مسيرة السلام في البلاد.
وأضاف أن رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت يعمل حالياً لإنجاح تنفيذ اتفاقية السلام، وأن وفد المعارضة المسلحة وصل إلى جوبا برئاسة (تعبان دينق) ويعمل مع الحكومة للوصول إلى رؤية مشتركة للترتيبات الخاصة بالاتفاقية، ومن المتوقع أن يصل (رياك مشار) خلال الشهر الحالي إلى جوبا لبدء الخطوات العملية بشأن تنفيذ اتفاقية (الإيقاد).
من جهة أخرى، رحَّب غندور، في تصريحات، السبت، بالجهود التي تتخذها حكومة دولة جنوب السودان لتعزيز وتقوية العلاقات بين البلدين، مؤكداً أن السودان حريص على إقامة علاقات استراتيجية تخدم البلدين والمحيط الإقليمي، وتساهم في استقرار القارة الأفريقية.
ولفت غندور إلى أن الخرطوم تعد شريكاً أساسياً في عملية السلام في دولة جنوب السودان من خلال عضويتها في وساطة (الإيقاد) إلى جانب إثيوبيا وكينيا، إضافة لعضويتها في اللجنة الأفريقية لمراقبة تنفيذ اتفاق السلام.
وأكد أن رؤية بلاده لترقية العلاقات مع (جوبا) تقوم على تنفيذ الاتفاقيات المشتركة وإزالة العقبات التي تعوق تقدم العلاقات، والتي تشمل الاتفاق على (الخط الصفري) لترسيم الحدود وتنفيذ الاتفاقيات التي وقعها الرئيسان البشير وسلفا كير في أديس أبابا عام 2012.