الأحد، 27 أغسطس 2017

“أحوال المثلث”

في صباح كل يوم جديد، تزداد السيطرة المصرية على منطقة حلايب المتنازع عليها بين السودان ومصر التي ظلت طوال الفترة الماضية تسعى إلى تمصير المنطقة من خلال الخطوات المتتالية التي ظلت تتخذها من وقت لآخر والتي كان آخرها فرض السلطات المصرية شروطا جديدة للدخول والخروج من مثلث حلايب الذي تسيطر عليه مصر منذ وقت طويل. وفي السياق كشفت مصادر داخل المثلث أن السلطات المصرية منحت الأهالي مهلة أسبوع فقط للعلاج والزيارات خارج المثلث، وأوضحت أن المخالفين سيتم منعهم من الدخول، كما أصدرت السلطات المصرية قرارا آخر بدفن الموتى داخل المثلث فقط.
وفي مطلع أغسطس الجاري شرع الجيش المصري في بناء موقع عسكري بمساحة (1800) متر مربع، وقام سلاح المهندسين بذلك غرب بوابة منفذ خط (22) في حلايب، كما أعلنت الحكومة المصرية تخصيصها مليار ومئة مليون جنيه مصري، نحو (60) مليون دولار أمريكي، لتنمية وإعمار مثلث حلايب، فيما قللت الخارجية السودانية من الخطوة ووصفتها بعديمة القيمة، وجددت التمسك بسودانية حلايب.
وعلى خلفية هذه الأحداث، جددت الحكومة السودانية شكواها لدى مجلس الأمن منتصف الشهر الماضي بشأن تعدي مصر على الأراضي السودانية، ونقلت الشكوى تنفيذ السلطات المصرية لقرار أصدره الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بإزالة المباني والمحلات التجارية، والمرافق الحكومية السودانية في حلايب في 18/ مارس الماضي، وقالت الشكوى إن مصر استخدمت جرافات بحماية قوة من الشرطة والجيش وتمت إزالة (164) محلاً و(40) منزلاً تتبع لمواطنين سودانيين.
وفي الخامس من أغسطس الجاري أعلنت قيادات من الإدارة الأهلية بمحلية حلايب، اعتقال السلطات المصرية لـ(222) مواطنا سودانيا وتقديمهم للنيابة المصرية التي أحالتهم إلى جهات إدارية، وأشارت إلى تكثيف السلطات المصرية لحملاتها داخل أراضي المثلث، ونقل المركز السوداني للخدمات الصحفية وقتها، خبر مفاده أن عدداً من قيادات الإدارة الأهلية قالت إن السلطات المصرية نفذت حملاتها وسط السكان في مناطق (حلايب وشلاتين وأبورماد) خاصة أبناء قبيلتي (العبابدة والبشاريين)، وأوضحوا أنها ألقت القبض عليهم بدعوى عدم حمل البطاقة المصرية، وشككت القيادات في دوافع الحملات التي تهدف إلى إخلاء مثلث حلايب من سكانه عبر تكثيف الحملات على طول الحدود السودانية المصرية توطئة لتقنين عمليات التنقيب عن الذهب.
وقبل أن تمضي أيام على اعتقال قيادات الإدارة الأهلية بمحلية حلايب، أعلن عثمان أحمد السمري معتمد محلية حلايب بولاية البحر الأحمر مقتل عاملين سودانيين وإصابة (19) آخرين، إثر مطاردة السلطات المصرية لهم، ويأتي ذلك بعد اتهام البرلمان السلطات المصرية بمضايقة السودانيين من حين لآخر تجاه منطقة المثلث، وقبل ذلك أعلنت الحكومة السودانية تعرض مواطن سوداني لإطلاق نار من دورية تابعة للقوات المصرية، عقب إطلاقها النيران على مجموعة من المنقبين عن الذهب داخل الحدود.
ولقي اثنان من المعدنين السودانيين مصرعهما أثناء هروبهما بسبب ملاحقة السلطات المصرية لهما، أحدهما توفي عطشاً والثاني سقط من جبل، كما دفعت المضايقات المصرية مئات المعدِّنين السودانيين للفرار من مثلث حلايب نحو (أوسيف وبورتسودان) بولاية البحر الأحمر. وأكد السمري استمرار مضايقات الحكومة المصرية للمعدِّنين السودانيين، وقال إن عدد الذين وصلوا عاصمة محلية حلايب أوسيف حوالى (341) معدناً، متوقعاً وصول آخرين خلال الأيام المقبلة. وكشف السمري عن محاكمات قامت بها السلطات المصرية بمحاكم (الغردقة)، وقال إنها حاكمت عدداً من المعدِّنين السودانيين بأحكام مختلفة تراوحت بين السجن والغرامة، وأضاف أن أقل عقوبة هي دفع غرامة قدرها (10) آلاف جنيه مصري أو السجن سنة.
وفي نهاية يناير الماضي اتفق الرئيسان، المشير عمر البشير ونظيره عبد الفتاح السيسي، على أن لا تشغل قضية حلايب البلدين عن تقوية العلاقات بينهما، وقال البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية وقتها: “إن قضية حلايب ممتدة واتفق البشير والسيسي على أن لا تشغل القضايا الخلافية البلدين عن الوصول إلى ما يمكن أن يؤدي إلى تمتين العلاقة بينهما”. وعلى الرغم من اتفاق الرئيسين المصري والسوداني، إلا أن السلطات المصرية ظلت تفرض سيطرتها على المثلث، واتضح جليا أن ما تقوم به مصر تجاه السودانيين من سكان المثلث المتنازع عليه بين البلدين، هو عبارة عن خطوات نحو السيطرة الكلية على المثلث.
ويتنازع السودان ومصر في السيادة على مثلث حلايب، الذي فرضت مصر سيطرتها عليه منذ العام 1995، ويضم حلايب وأبو رماد وشلاتين، ويقع المثلث في أقصى المنطقة الشمالية الشرقية للسودان على ساحل البحر الأحمر، وتسكن المنطقة قبائل البجا السودانية المعروفة، ومؤخرا هدد السودان باللجوء للتحكيم الدولي إذا فشلت عملية التفاوض مع الجانب المصري، كما رفضت القاهرة طلب الخرطوم التفاوض المباشر حول منطقة (حلايب وشلاتين) المتنازع عليها بين البلدين منذ عقود، أو اللجوء إلى التحكيم الدولي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق