الأربعاء، 4 مارس 2015

تقرير الامين العام للأمم المتحدة عن جنوب السودان - الملاحظات والتوصيات

 بعد مرور عام على بدء النزاع في جنوب السودان، ورغم جهود المجتمع الدولي ومطالباته، يظل كل من الحكومة والجناح المعارض في الحركة الشعبية يواصلان الأعمال العدائية محليا، وفي الوقت نفسه يظلان لا يحققان تقدما ذا مغزى صوب التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة. والتطورات على الصعيد المحلي تثير القلق على نحو متزايد، حيث تدل جميع المؤشرات على عدم قيام أي من طرفي النزاع بالتخلي عن الخيار العسكري. وهناك خطر في أن يتصاعد النزاع المسلح، خاصة في المنطقة المحيطة بحقول النفط، وأن ينتشر كذلك، خاصة إلى منطقة بحر الغزال الكبرى والولايات الاستوائية التي لم تتضرر مباشرة بالنزاع، مع سعي كل جانب إلى تدعيم موقفه وتعزيزه على طاولة التفاوض. ويؤدي أثر النزاع على الاقتصاد إلى الإضعاف الشديد للنسيج الاجتماعي لجنوب السودان. علاوة على ذلك، لا يمكن تجاهل خطر الاشتراك المتزايد لأطراف فاعلة إقليمية واحتمال انتشار النزاع إلى خارج الحدود. وأناشد مرة أخرى الطرفين الكف فورا عن العنف وتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية بالكامل. وأي يوم يستمر فيه القتال يؤدي إلى تفاقم الظروف الفظيعة التي يعجز عنها الوصف والتي يعيشها شعب جنوب السودان.
وأود أن أعرب عن الشكر إلى جميع الشركاء الدوليين، بما في ذلك الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، ورؤساء دول الهيئة، ودول المجموعة الثلاثية، والصين، وجمهورية تنزانيا المتحدة، وجنوب أفريقيا، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، على جهودهم المستمرة الرامية إلى إبقاء الطرفين مشاركَين في حوار سلمي. ومن بين الأمور المشجعة ترد المبادرة التي قادتها الصين في الخرطوم، في 12 كانون الثاني/يناير، للجمع بين الفصيلين المتحاربين سعيا إلى بلوغ هدف مشترك يتمثل في إحلال السلام في جنوب السودان. ومثل كذلك الاتفاق على إعادة توحيد الحركة الشعبية لتحرير السودان من قبل الفصائل الثلاثة في 21 كانون الثاني/يناير 2015 بأروشا، جمهورية تنزانيا المتحدة، خطوة إيجابية أخرى. وكنت آمل أن تؤدي المبادرتان إلى تحقيق الزخم وتوفير الحيز السياسي لقيادة جنوب السودان لإبرام اتفاق للسلام خلال مؤتمر قمة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وهو ما كان مقررا عقده على هامش مؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي. وللأسف، أضاع قائدا جنوب السودان فرصة أخرى لصنع السلام. وعلى الرغم من ذلك، فإن إقرارهما العلني، في 1 شباط/فبراير، بوجود مجالات اتفاق فيما يتعلق بإنشاء حكومة وحدة وطنية انتقالية، والتزامهما بتسوية جميع المسائل المتبقية، بما في ذلك تقاسم السلطة، في موعد أقصاه 3 آذار/مارس، والبدء في مرحلة الحكم الانتقالي بحلول 9 تموز/يوليه، لأمر يبعث على الأمل في التوصل إلى التسوية التي طال البحث عنها للنزاع. وأدعو الرئيس كير ورياك مشار إلى عدم إضاعة فرصة أخرى لإحلال السلام في جنوب السودان.
وكما قلت مرارا، تقع المسؤولية الرئيسية عن إيجاد تسوية للنزاع في جنوب السودان على القائدين. وأحث الطرفين على بذل قصارى الجهود وتقديم التنازلات الضرورية لإبرام اتفاق سلام يعالج الأسباب الجذرية للأزمة. ويجب أن يوفر الاتفاق الأساس للإصلاح الوطني والسياسي والأمني والاقتصادي الذي تمس الحاجة إليه، ولتحقيق العدالة والمساءلة، والمصالحة وتضميد الجراح لإعادة بناء دولتهما الوليدة التي تمزقت نتيجة لهذا النزاع. ويجب على المجتمع الدولي أيضا أن يتفكر جديا في مسؤولياته. وقد أزف الوقت الآن لكي يتكلم المجتمع الدولي بلسان واحد ويوضح لقادة جنوب السودان أنه لم يعد من الممكن لهم الإبقاء على البلد رهينة لطموحاتهم الشخصية وأن هناك عواقب تحدق بمن يواصلون تقويض جهود السلام.
وأحث طرفي النزاع، والحكومة خاصة، التي تقع عليها المسؤولية الرئيسية عن حماية المدنيين، على تهيئة بيئة آمنة للمدنيين وإتاحة الظروف الضرورية للعودة الطوعية للنازحين. وأكرر أيضا دعواتي السابقة إلى البلدان المساهمة بقوات أن تعمل عاجلا على نشر قدرات الدعم والمعدات العسكرية المتبقية، وهي العناصر التي تمس الحاجة إليها لتمكين بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان من القيام بمهامها المكلفة بها بفعالية.
وحتى يصبح السلام مستداما في جنوب السودان، من المهم أهمية حيوية مساءلة مرتكبي انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان خلال النزاع. ومع ذلك، وكما لاحظت في هذا التقرير وفي تقارير سابقة، لم يتخذ قدر يذكر من تدابير المساءلة الوطنية عن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة حتى الآن. والسلام والعدالة لا يناقضان بعضهما. ومن ثم فإنني أحث مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي على النظر بصورة عاجلة في تقرير لجنة التحقيق في جنوب السودان التابعة لمفوضية الاتحاد الأفريقي وفي توصياتها. وفي غضون ذلك، ووفقا لطلب مجلس الأمن بتحقيق المساءلة الوارد في قراره 2178 (2014)، طلبت إلى الأمانة العامة وضع خيارات ممكنة لإنشاء عمليات للمساءلة الجنائية والعدالة الانتقالية لجنوب السودان، استنادا إلى التجارب السابقة، للتصدي للشكل الفادح والنطاق الواسع من الانتهاكات الفظيعة والجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت في البلد منذ بدء الأزمة.
وأظل أشعر بالانزعاج على نحو متصاعد إزاء استمرار التحديات أمام وصول أفراد العمل الإنساني وحفظ السلام، وكذلك ما يواجهونه من انعدام الأمن والعنف، بما يشمل المضايقة، والتهديدات، والاعتداءات الجسدية، والاعتقال، والاحتجاز، والاختطافات، وهم يقومون بواجباتهم. وينتابني قلق بالغ إزاء اختطاف واختفاء متعاقد مستقل تابع للبعثة وموظف تابع لإحدى وكالات الأمم المتحدة، واستمرار الاحتجاز العشوائي لثلاثة موظفين وطنيين تابعين للبعثة. وأدعو الحكومة إلى كفالة إطلاق سراحهم فورا دون أن يصابوا بأذى.
وفي شهري تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر، واجهت البعثة قيودا متزايدة من قبل الحكومة على استيراد ونقل معدات أساسية مملوكة للقوات تعود إلى البلدان المساهمة بقوات. وأذكر الطرفين بأن تلك القيود المفروضة على البعثة وأفراد العمل الإنساني تعيق قدرة البعثة على تنفيذ ولايتها والاضطلاع بعمليات حيوية الأهمية في المجال الإنساني ومجال الحماية. وأكرر دعوتي إلى الجانبين لكفالة حرية التنقل والوصول الإنساني بدون قيود للبعثة وأفراد العمل الإنساني وإزالة جميع العقبات التي تحد من قدرتهم على تنفيذ ولاياتهم.
وأخيرا، أود أن أعرب عن تقديري الصادق لما يبديه أفراد البعثة من شجاعة وتضحيات، وهم يواصلون العمل، تحت القيادة القديرة لممثلتي الخاصة إلين مارغريت لوي، لتوفير الحماية للآلاف من المدنيين الذين يتهددهم خطر العنف الجسدي، وتحقيق استقرار الأوضاع الأمنية. وأتوجه بالشكر للبلدان المساهمة بقوات وأفراد شرطة التي تقوم بتوفير أفراد نظاميين وأصول للبعثة تمس الحاجة إليهم. وأثني أيضا على أفراد فريق الأمم المتحدة القطري والشركاء من المنظمات غير الحكومية على جهودهم الدؤوبة لتوفير المساعدات الإنسانية التي تشتد حاجة السكان إليها، في ظل ظروف قاسية وخطرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق