الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

لقاء "القاهرة" الذي لم يتم..!

اليومان اللذان قضاهما السيد رئيس الجمهورية المشير "البشير" في زيارته لجمهورية مصر العربية ورئيسها الفريق "السيسي"، كانت حافلة بكل ما يدعم العلاقات ويقويها ويخرج بها من دائرة التأزم التي ظلت لسنوات طويلة رغم المحاولات والاجتهادات في العبور بها إلى بر الأمان، وحيث يحصل البلدان على علاقات تحقق المصالح والتكامل بين البلدين والذي دعا له الطرفان منذ الاستقلال وخروج الإدارة البريطانية من البلاد في الأول من يناير 1956م.
الرئيسان في لقاءاتهما الثنائية وتلك التي جمعت وزراء الهم الاقتصادي والأمني والدبلوماسي وغيرهم مع الرئيسين، كانا قد وضعا (النقط على الحروف) ورسما خريطة طريق وإستراتيجية للعلاقات بين البلدين.
وهذا كله قد عمرت به الصحف بعد مؤتمرات صحفية ومقابلات كانت قد تبعت اللقاء وجرت مع الرئيسين، وأشير فيها إلى أن الإعلام في البلدين وفي جمهورية مصر العربية تحديداً هو المسؤول عن تأزيم المواقف وتأجيجه. فهناك من له أغراضه ومصالحه والبلاد العربية كلها تضج وتعج بما يباعد الشقة بين الأطراف.
إلا أنه والحمد لله خرجت الزيارة التي كانت مرتقبة منذ وقت بعيد بمخرجات ونتائج قوامها تحقيق المصالح بين البلدين الشقيقين اللذين ما يربط بينهما أكثر مما يفرق، وذلك أمر لا يُعلى عليه وإن بدأ هناك ما يشار إليه في سياق تنافر المصالح أحياناً في المجال السياسي والدبلوماسي، كالحديث عن سد النهضة الإثيوبي وما يتصل بمياه النيل إجمالاً، وذلك كله ما ستنظر فيه اللجان العليا ذات التخصصات المختلفة والتي يرأسها الرئيسان وتنعقد في البلدين بالتزامن.
وبعد ذلك النجاح الكبير لم يفت على البال أني يلتقي السيد رئيس الجمهورية وحزب المؤتمر الوطني وصاحب مبادرة الحوار الوطني والمجتمعي، أن يلتقي زعيم حزب الأمة المقيم في القاهرة بمبادرة من فاعل خير أو من السيد "المهدي" شخصياً الذي ابتدر الأزمة وأجج نارها.
أولاً : بحضور (إعلان باريس) والتوقيع عليه مع الجبهة الثورية المتمردة وحاملة السلاح.
ثانياً : تجنيد نفسه للعمل على تسويق الإعلان في الخارج مع سفراء الدول والمنظمات عبر وجوه في العاصمة المصرية القاهرة.
جراء ذلك ولا ريب فإن خروج السيد "المهدي" من التعامل مع الأحزاب المأذونة دستورياً وقانونياً إلى تلك التي غير المأذونة وتحمل السلاح، فيه ما فيه من الخطر.. ولعل ذلك ما جعل السيد رئيس الجمهورية يقول بأن زعيم حزب الأمة القومي لن يسمح له (قانوناً) بالعودة إلى الداخل، إلا بتنازله واعتذاره عما بدر منه في خصوص (إعلان باريس).
السيد المهدي زعيم حزب الأمة القومي، وهو خارج البلاد منذ بداية شهر أغسطس الماضي (قرابة الثلاثة أشهر) يتوجب عليه كما قلنا في (المشهد السياسي) السابق، أن يعيد النظر في المسألة برمتها والإعلان لم يجد المساندة المطلوبة ولم يحقق أغراضه، إذ لم يكن هناك عائداً أو مكسب غير أن الحزب أصابه الركود وعدم الحراك وقراراته كلها مربوطة بالخارج.
وقد كانت زيارة السيد الرئيس للقاهرة فرصة إلى لقاء يتم بين الطرفين إذا ما سارت الأمور والمبادرات على نحو ما هو مطلوب.. لا إلى أن يستبق المهدي ذلك بلقاء مع الأستاذ "فاروق أبو عيسى" الذي يبدو أنه في حالة رحيل واستقالة عن ما يسمى قوى الإجماع الوطني والتي ليس بينها وبين "المهدي" وحزبه ما يجمع أكثر مما يفرق..!
الرئيس "البشير" قد التزم بشرط اعتذار "المهدي" عما بدر منه في العلاقة مع الحركة الثورية غير المأذونة بالعمل قانوناً وهي التي تعمل بالسلاح عوضاً عن السياسة، أعلن أنه رغم ما بدر من وساطات وطلب عبر السيد السفير بالقاهرة يرفض مقابلة "المهدي".. و"المهدي" من جانبه – مرة أخرى – قال إنه لم يطلب مقابلة السيد الرئيس.. وقد جاء ذلك في إعلان نشرته الصحف صباح (الاثنين) من سكرتيره ومرافقه الأستاذ "محمد زكي".
فقد قال السكرتير في بيانه (عشية زيارة السيد "البشير" للقاهرة)، إن باب الإمام الحبيب مفتوح لبحث القضية الوطنية مع الجميع، لكنه لن يلبي أية دعوة للقاء "البشير"..!).
هذا علماً بأن السيد السفير "عبد الحليم" الذي سبق أن جمع بينه وبين السيد "المهدي" لقاء رشحت أخباره في الصحف، قال هو الآخر إنه (تلقى ثلاثة اتصالات من الإمام "الصادق المهدي" أبدى فيها رغبته بلقاء السيد الرئيس أثناء زيارته للقاهرة). هنا أيضاً ثمة تباعد جديد بين الطرفين عبرت عنه الإفادات المزدوجة عن اللقاء الذي كان ينبغي أن يمحو الأزمة الحادة بين الطرفين والتي هي قانونية في سياقها النهائي.. أكثر منها سياسية.
إن ما نسب للسيد "الصادق المهدي" في بيان السيد سكرتير الإعلام من أنه (لن يلبي أية دعوة للقاء "البشير"..!) يزيد الطين بلة.. فما بحزب الأمة (يكفيه) ولا يحتاج إلى ما جاء في البيان.
لقد كان يتوقع في لقاء القاهرة بين الرئيسين "السيسي" و"البشير" أن تتم لقاءات أخرى تدعم العلاقات، كذلك اللقاء الذي حدث بين الرئيس"البشير" والنخبة المصرية، لا سيما الإعلامية التي كانت لها مبادراتها السابقة مع الخرطوم، والمقصود هنا لقاء "المهدي" و"البشير" لا سيما وأن ذلك قد سبقه لقاء سلفت الإشارة إليه بين "المهدي" والسفير السوداني.
إن سياسة إدارة الأزمات والخروج منها فن يبدو أن السيد "المهدي" وعلاقاته العامة ليسوا على كبير دراية بهما.. وإلا فكيف تكون النتيجة أن "المهدي" يلتقي بالجميع لبحث القضية الوطنية لكنه لن يلبي أية دعوة للقاء "البشير".. أي :
•    لا من أجل تلاقي خطأ اللقاء مع الجبهة الثورية وإعلان باريس.
•    ولا الحوار الوطني أو غيره.
عليه فإن لقاء القاهرة بين "المهدي" والرئيس الذي لم يتم كانت خلفه أسبابه التي لابد من العمل على تلافيها وبخاصة من جانب حزب الأمة القومي، وزعيمه السيد "الصادق المهدي" الذي ظل ينفرد بقراراته ولا يرجع فيها إلى من يهمهم الأمر في الحزب، وفيهم من بإمكانه أن يعين على ردم الفجوة وسدها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق