الاثنين، 20 أكتوبر 2014

مصر تنجرف بسرعة نحو الديكتاتورية وحكم القبضة الحديدية تحت عنوان تحقيق الاستقرار ومحاربة الارهاب.. عبد الناصر المثل الاعلى للسيسي لم يعتقل عشرات الآلاف.. وحقق الاستقرار الامني والاقتصادي بالمواقف الوطنية والانحياز للفقراء

يواجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حملة انتقادات شرسة في بعض اوساط الصحافة الاوروبية الامريكية بسبب تدهور الحريات الديمقراطية وتصاعد اعمال القمع والاعتقالات في السنة الاولى من عهده، الامر الذي قد يؤثر على صورة مصر وسمعتها الدولية، والمساعدات المالية السنوية التي تقدمها الادارة الامريكية ومقدارها ما يقرب الملياري دولار.
في الايام الثلاثة الماضية فقط كتبت صحيفة "النيويورك تايمز′′
الامريكية افتتاحية قالت فيها ان مصر لا تسير في الطريق الديمقراطي الصحيح، ولذلك يجب حجب الاعانة المالية السنوية عنها، حتى يظهر الرئيس السيسي احتراما للحريات وحقوق الانسان، وانتقدت الصحيفة تحريف صحيفة "الاهرام" لافتتاحية سابقة لها بحيث جاءت لو انها تشيد بالرئيس المصري وتمتدح انجازاته وخطابه في الامم المتحدة.
صحف بريطانية مثل صحيفة "الاوبزرفر" تحدثت مطولا عن تدهور الحريات في مصر واعتقال اكثر من اربعين الف شخص منذ تولي الرئيس السيسي السلطة، وقالت ان السجون المصرية "تستضيف" اكثر من 16 الف حاليا معظمهم من انصار الاخوان المسلمين.
ولعل الضربة الكبرى للنظام المصري جاءت من قبل مركز الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر الذي اغلق ابوابه بعد ثلاثة اعوام من العمل في مصر اشرف خلالها على كل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة، فقد اعلن المركز انه لن يرسل مراقبين لمراقبة الانتخابات البرلمانية المقبلة قبل نهاية العام، فمركز الرئيس كارتر يتمتع بمصداقية عالية في معظم انحاء العالم، وراقب اكثر من مئة عملية اقتراع في 38 دولة.
الشعب المصري مغيب عن كل هذه المعلومات لان معظم وسائل الاعلام المصرية تقدم له صورة غير حقيقية عن اوضاع مصر وصورتها في الخارج، وتحاول ان تبرر بعض الاعتقالات واعمال القمع للمعارضين، بأنها ضريبة الاستقرار ومحاولات انعاش الاقتصاد المصري واخراجه من ازماته الحادة.
العبارة التي تتكرر بشكل متواصل على السنة المعلقين والمقدمين في محطات التلفزة المصرية واسعة الانتشار والتأثير تعمل على تذكير الشعب المصري ليل نهار بأنه يعيش في نعمة بالمقارنة مما يحدث في دول عربية اخرى مثل سورية والعراق واليمن وليبيا حيث الفوضى الدموية والحروب الاهلية وانهيار الدولة ومؤسساتها.
الشعب المصري لا يريد ان تتحول بلده الى دولة فاشلة قطعا، ولكنه ثار ضد نظام الرئيس حسني مبارك واسقطه لانه يريد عودة الحريات والشفافية وحقوق الانسان والقضاء على الدولة البوليسية في بلاده كمقدمة للاستقرار والتوزيع العادل للثروة واجتثاث الفساد.
نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي حافظ نسبيا على انجازات الحبيب بورقيبة ابو الاستقلال التونسي مثل النهضة التعليمية والخدمات الطبية، والاستتباب الامني، ومعدلات نمو اقتصادي سنوية وصلت الى سبعة في المئة لعدة سنوات، ولكن مصادرة الحريات، والتغول في القمع كانت من الاسباب الرئيسية للثورة التونسية التي اطاحت بحكمه.
الرئيس السيسي ادار ظهره للولايات
المتحدة وانتقاداتها ووقف مساعداتها العسكرية، واظهر استقلالية واضحة في هذا الصدد، ولكن الادارة الامريكية رضخت له في نهاية المطاف، ورفعت الحظر عن تسليم طائرات اباتشي للجيش المصري، ليس لان الحريات الديمقراطية تحسنت في مصر، ولكن حفاظا على اتفاقات كامب ديفيد واستمرارها، وتشديد السلطات المصرية للحصار على قطاع غزة واغلاق جميع انفاق التهريب لمنع وصول اسلحة الى المقاومة الفلسطينية، فأمن اسرائيل يتقدم على الديمقراطية وحقوق الانسان بالنسبة الى الادارة الامريكية للاسف.
الرئيس السيسي يؤكد في كل المناسبات احترامه لارث الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ويحاول ان يتبناه ويسير على نهجه باستثناء امر واحد وهو توثيق العلاقات مع اسرائيل، والصمت على جرائمها التي ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني وآخرها العدوان الاخير على قطاع
غزة الذي ادى الى استشهاد 2200 انسان وتدمير 80 الف منزل، ولم يستحق هذا العدوان من الرئيس السيسي استدعاء السفير المصري من تل ابيب احتجاجا، ناهيك عن اغلاق السفارة الاسرائيلية في القاهرة وطرد جميع العاملين فيها وعلى رأسهم السفير.
نحن في هذه الصحيفة نضم صوتنا الى كل الاصوات التي تنتقد غياب الحريات في مصر، وتراجع حقوق الانسان، وتزايد اعمال القمع، ايمانا منا بمبادىء وقيم الثورة المصرية التي جاءت لرد الاعتبار للشعب المصري وحقوقه وانهاء كل المظالم المفروضة عليه من قبل النظام السابق واعوانه.
الاستقرار مطلوب، ولكنه لا يجب ان يكون على حساب الديمقراطية وحقوق الانسان ايا كانت الحجج والذرائع فمهما اختلفنا مع نظام الرئيس محمد مرسي، فانه لم يغلق محطة تلفزيونية واحدة، ولم يعتقل صحافيا واحدا، ولم يمنع برنامجا، رغم اسفاف بعض البرامج وتطاولها عليه شخصيا، وفبركة التقارير حول امور شخصية كاذبة تناولت زوجته وافراد اسرته بالسب والقذف والتشهير.
الرئيس السيسي وعد في خطابه في الامم
المتحدة باحترام الحريات والسير على النهج الديمقراطي، ولكن ما نراه حاليا مخالف تماما لهذه الوعود، وباتت البلاد تنجرف نحو الديكتاتورية بسرعة ملحوظة.
نعم هناك ازمات اقتصادية في مصر، وخطر ارهابي يهدد البلاد بطريقة او اخرى، والاستقرار في هذه الحالة يجب ان يتقدم جميع الاولويات الاخرى، ولكن غياب الديمقراطية والحريات هو الذي يقدم الذخيرة الاقوى للارهاب والارهابيين وزعزعة الامن والاستقرار بالتالي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق