الاثنين، 20 أكتوبر 2014

حول زيارة مصر

واضح من زيارة السيد رئيس الجمهورية إلى الجارة مصر، أن واقعاً جديداً بدأ يتشكل في علاقة البلدين الجارين، التي ظلت مشحونة بمثل هذه الحالات الطارئة والنائشة من تعقيدات مختلفة تدعو الجانبين إما للتقارب أو تحفزهما على الافتراق وبرود العلاقات نتيجة لعوامل متعددة، ويلاحظ أن الجانب الرسمي المصري احتفى بالرئيس البشير وزيارته بشكل كبير، وسعت الطبقة السياسية التي آزرت السلطة الجديدة في مصر من شخصيات ورموز سياسية وعلى غير العادة، إلى أن يكون لها دور في هذه الزيارة، إضافة للجانب الرسمي المتعلق بالمباحثات الثنائية ولقاءات الوزراء من الطرفين.
> لكن حتى تكون الأمور أكثر فائدة، لا بد أن تتخذ هذه الزيارة بقيمتها وأهمية التوقيت الذي تتم فيه، فرصة لبناء علاقة مع مصر بعيدة عن مؤثرات الواقع المعاش أو الماضي القريب والبعيد، ومشكلة هذه العلاقات أن خليطاً من المشاعر والمواقف المتعارضة والمتضاربة تسد أفق العلاقة وتحجب الرؤية بشكل أوضح لما ينبغي عمله، ولذلك لا بد من البحث عن أسس جديدة تبنى عليها العلاقة السودانية المصرية، فطبيعة الأشياء ومنطقها تجعلان العلاقة ضرورية وذات أهمية لكل طرف، والواقع الراهن يقتضي أيضاً تعزيز المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة بغض النظر عن الوضع والشأن الداخلي لكل بلد وعلاقاته.
> ومشكلة السودان ومصر أنها من عقود طويلة وأنظمة وحتى اللحظة لم تتجاوز العلاقة مرحلة الشعارات البراقة والتطلعات غير المختبرة، إذ لم تتجذر العلاقة إلى ما هو أعمق ليخدم الشعبين في البلدين، وبغض النظر عن طبيعة العلاقة وخصوصيتها، فإنها في النهاية محكومة بانطباعات عميقة توجد في أغوار الشخصيتين السودانية والمصرية تنعكس على السياسة في كل أطوارها ومراحلها.
> ماذا يريد السودان من مصر وماذا تريد هي من السودان؟ سؤال لا يجيب عنه الحكام وأهل السياسة فقط، وإذا تمت الإجابة عنه سيكون من السهل للغاية إيجاد طريق يقود إلى توافق مستدام وصلات أكثر قوةً ومتانةً من أي وقت مضى، وإذا أُزيلت الشكوك والظنون ولعبة الاستحمار السياسي والاستغفال وطريقة التفكير الساذجة من مسار العلاقات، يمكن أن يكون هناك واقع جديد منتج وفعال يقوي الصلة والأواصر ويدفع إلى اتجاه صحيح.
> وبالرغم من أن هذا ليس مطلوباً اليوم في هذه الزيارة، إلا أنه يحتاج إلى تمهيد وحسن نية في رسم ملامحه وتقرير ما سيكون في مقبل الأيام، وفي التفاصيل الدقيقة المطلوب طرحها في المباحثات الرسمية واللقاءات التي تجرى أثناء وبعد الزيارة.
>  لكن بالتركيز على موضوعات الزيارة الحالية للرئيس عمر البشير، فمن الواضح أن الظنون والشكوك المدعاة ستزول بلا شك، لكن الموضوعات ذات الوزن الثقيل في المباحثات لا بد من التوصل إلى حلول نهائية لها، فالعلاقة الثنائية مازالت تشهد توترات كبيرة، منها قضية مثلث حلايب، ونتوء حلفا الذي تم محوه تماماً وأُقيم المعبر المصري قسطل مقابل معبر أشكيت في بدايته من جهة السودان، وقضمت مصر مساحة طولها أربعين كيلومتراً شمالاً من أشكيت، فلن تسوى العلاقة الثنائية في وجود خلافات حدودية حادة لم تحسم بعد.
> كما أن مصر لم تحدد رؤاها الإستراتيجية في علاقتها مع السودان، وهذه تحتاج إلى نقاشات حول ما يمكن عمله في الشراكات الاقتصادية ومشروعات النهضة والخدمات والبنى التحتية والاستفادة من الموارد والخبرات، والمواقف التي تقتضي التنسيق السياسي بين البلدين مثل العلاقة مع إفريقيا ودور السودان في إزالة المخاوف المصرية مع دول حوض النيل وسد النهضة الإثيوبي، فغياب مصر عن إفريقيا في فترة حسني مبارك ومقاطعتها الحالية من دول إفريقية وقرارات الاتحاد الإفريقي والعزلة التي تعيشها، تجعل من الضروري لها ولمصالحها التنسيق مع السودان، والعمل معه وفق تصورات إستراتيجية وليست مصالح عابرة لنظام حكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق