الاثنين، 13 أكتوبر 2014

البشير لـ(الشرق الأوسط) .العلاقة مع مصر من أهم علاقات السودان الخارجية

كشف الرئيس عمر البشير في حوار مع «الشرق الأوسط»، عن زوال حالة الفتور التي اعترت علاقة بلاده مع السعودية أخيراً، بفضل الاتصالات المستمرة مع قيادة المملكة، وتصحيح المعلومات المغلوطة التي كانت تردهم من خلال جهات ذات غرض.  وقال البشير في حوار خاص لـ «الشرق الأوسط»: «شرحنا رؤيتنا وحقيقة علاقتنا مع طهران، بأن كل المعلومات التي كانت ترد للقيادة السعودية في هذا الإطار كانت مغلوطة ومصطنعة ومهوّلة ومضخمة، فانهارت بإصدار القرار الأخير بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية والذي اتخذناه كخطوة إستراتيجية وليس تمويهاً على «الخليجيين». وأضاف البشير: «الأمة العربية في حاجة ماسة لجمع الصف لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، ولا بد لتحقيق ذلك بأن نتناسى خلافاتنا مهما بلغت من الحدة، فنحن الآن نبقى أو لا نبقى. وما حصل في العراق يمكن أن يحدث في أي منطقة أخرى من العالم العربي». وأكد الرئيس أن أجندة لقائه مع نظيره المصري، تتضمن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، فضلاً عن دفع الاتفاقيات الثنائية التي أبرمت، ومنها اتفاقية الحريات الأربع، مبيناً أنها كفيلة بإذابة الحدود بين البلدين، مشيراً إلى أن العلاقة مصيريَّة ولا بد من تعزيزها وإعادة الدور المشترك على كل المستويات. وفيما يتعلق بالوثيقة التي جرى تداولها مؤخراً، ونشرها الباحث الأمريكي المتخصص بالشأن السوداني إيريك ريفز حول اجتماع للقيادات العسكرية والسياسية والأمنية بالخرطوم، بأنه يهدف لتعزيز إستراتيجيتها مع إيران والتمويه على الخليجيين بالعلاقات الاقتصادية والاستثمارية، أكد البشير أنها سلسلة من التلفيقات التي دأبت عليها بعض الجهات ذات الأجندة لتعكير صفو العلاقة مع الخليج وضرب السودان في مقتل سياسياً واقتصادياً. وفيما يلي نص الحوار..
> هل سيتطرق لقاؤكم مع الرئيس المصري إلى اتفاقية مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي، وبرأيكم، لماذا تعقد التفاهم حوله؟
< فيما يتعلق باتفاقية مياه النيل، هناك اتفاقية 1959، وهي اتفاقية متماسكة تماماً، لا يوجد فيها أي إشكال. بعد ذلك تأتي العلاقات الإقليمية فيما يتعلق بشركاتنا الثنائية، مثل مشروع سد النهضة الإثيوبي، الذي (بكل أسف) في حلبة الصراع السياسي في مصر منذ أيام الرئيس السابق محمد مرسي، وأصبح موضع مزايدات سياسيّة، ولذلك أستطيع أن أقول إن التعامل مع هذا الملف في تلك الفترة لم يكن موضوعياً، حيث إنني أذكر في لقاء مفتوح وعلى الهواء مباشرة مع الرئيس مرسي بدأ الحديث لبعض المصريين عن ضرب السد الإثيوبي، ودعم المعارضة في إثيوبيا لتفتيت بلادهم، فكان كلاماً غير موفق، بل مستفز لمشاعر الإثيوبيين، ولذلك هذا الكلام انعكس إيجاباً على إثيوبيا، لأنه انتهى إلى توحيد صفهم وكلمتهم والتفاهم حول قيادتهم، متناسين كل الفروق والخصومات، إذ لأول مرة يتوحّد الشعب الإثيوبي حول حكومته بعد تلك التصريحات المتعجّلة، إذ إن المعروف أن شعب إثيوبيا يتكون من عدة أعراق، تشتمل على التقراي والأمهراء وغيرهما من المكونات، وكل منها لا ترضى بأن تحكمها الأخرى، ولذلك فإن تلك التصريحات المصرية وحّدت هذه المكونات، وجعلتها على قلب رجل واحد، وتؤيد بصوت واحد وقوي موقف حكومتها تجاه سد النهضة بشكل لم يحظَ به أي منجز لأي حكومة أخرى، وأصبحت هناك تعزيزات ومشاركات مادية من كل أفراد الشعب الإثيوبي، بدءًا من أفقر مزارع وعامل، إلى من كان أكثرهم ثراء، حيث دفع كل منهم مساهمته لإنجاز هذا السد، أما الآن، وقد أصبح حلم الإثيوبيين ماثلاً أمامهم، كان لا بد لإخوتنا في مصر من الوقوف على حيثيات هذا السد من حيث الإيجابيات والسلبيات، باعتبار أننا شركاء في مياه هذا النيل، وبالطبع كان لدينا نخبة من الخبراء الفنيين من أصحاب التجارب العريقة والطويلة في مجال السدود بقدرات عالية جداً، فأول ما ظهر هذا السد كفكرة، أخذت هذه النخبة تدرس الأمر، وتتفحصه، وتشخصه جيدًا من كل جوانبه، فحددوا إيجابيات وسلبيات هذا السد، وأنا ألخص هذا الأمر على أنه أهمية سد النهضة بالنسبة للسودانيين بمستوى أهمية السد العالي بالنسبة للمصريين، لأنه يخزن كل المياه في فترة الفيضان، وبعد ذلك يمررها عبر الخزان طوال أيام العام، وطبعا هناك آثار سلبية بسبب الطمي، حيث إنه من مشكلاتنا في منشآتنا في السدود والخزانات، ومع أنه يمكن إيقافه، فإنه قد يقف بصورة كاملة، في حين أننا نحتاج إليه أيضاً لتخصيب الأرض، كذلك هناك جوانب سلبية وإيجابية؛ فالمناطق التي كانت تُروى بالنظام الفيضي لن تُروى، ولكن يمكن تحويلها إلى نظام ري دائم، ووقتها يكون العائد من الأرض أكبر من الزراعة الموسمية، وحقيقة لدينا مشكلة في كل مشروعاتنا النيلية، في فترة الحراثة، إذ إن مجرى النيل ينخفض، وبالتالي كثير من المشروعات التي تُروى بنظام الطلمبات تعاني من بعدها من محطات المياه، ولكن هذا سيعالَج بطريقة نهائية طالما سيكون هناك مياه على مدار العام، أما فيما يتعلق بخزاناتنا، فإننا نخزن مياه الفيضان في موسمه، ونصرفها على مدار العام، لأنه سيكون هناك تعويض لها مستمر، وذلك لأن بحيرات هذه الخزانات، سواء أكانت في الرصيرص أو في سنار أو مروي، تزاول خدمتها على مدار العام، وبالتالي نحصل على مياه كافية وطاقة توليد كهربائي جيدة، علما بأنه في شهر أبريل (نيسان) ينخفض توليد طاقة الكهرباء في الرصيرص بنسبة من 50 إلى 15 في المائة، ولذلك عندما يحين وقت الفيضان نضطر لفتح كل البوابات، وبالتالي التوليد الكهربائي ينخفض، فالأزمة الكهربائية في الفترة الأخيرة بسبب انخفاض التوليد المائي للكهرباء، لأنه يشكل نسبة عالية جدًا من التوليد الكهربائي في السودان، ولذلك كل ذلك تجري معالجته، أما بالنسبة لإخوتنا في مصر، فإنهم يعتقدون أن الإيجابي أن السد العالي كان يعاني من تراكم الطمي، ويفقد سنوياً نسبة عالية من طاقته التخزينية بسببها، بدليل أننا الآن في منطقة حلفا وجنوبها بالسودان ظهرت لدينا دلتا كبيرة جدًا، وشكلت أرضاً خصبة، نتيجة للترسيب، وهذا كله على حساب حجم المياه المخزنة في السد العالي، وهنا أقول إن المزايدات السياسيّة غير الموضوعيّة في عهد مرسي هي التي كانت خلف تبلور الرؤية الشعبية للإثيوبيين، لأنها عبأتهم بحجة أن السد يحجز مياه النيل، والحقيقة غير ذلك أن السد لن يستطيع حجز المياه، لأنه في حالة حجز الإثيوبيون المياه هذا العام، فأين سيحجزونها في العام المقبل؟ ونحن في لقائنا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارته الأخيرة للخرطوم، قلنا له إن هناك ثلاثة أشياء تهمنا في أمر سد النهضة؛ أولها سلامة السد وهذا يهمنا جدًا، وقطعاً يهم الإثيوبيين في الوقت نفسه، ثانياً البرنامج المتعلق بملء البحيرة، بحيث لا يؤثر في منشآتنا في مجال الري ولا في خزاناتنا، ثانياً برنامج تشغيل السد، لأجل أن نبني عليه نحن أيضاً تشغيل الخزانات، فالإثيوبيون موافقون، وهناك لجنة دولية مشكَّلة من كل من مصر والسودان وإثيوبيا، بجانب خبراء دوليين لدراسة هذه الجوانب، ولذا أعتقد أنه حتى في قضايانا الإقليمية المشتركة، نحن حريصون على بناء ثقة متبادلة، فمصر كانت في يوم من الأيام تُعد الدولة رقم واحد في أفريقيا، بدليل أن هناك «34» دولة أفريقية قطعت علاقاتها مع إسرائيل بسبب تضامنها مع مصر، فالآن مصر معزولة، لأنه بعد اتفاقية كامب ديفيد غابت مصر من الساحة الإقليمية الأفريقية، فنحن حريصون على عودتها للساحة الأفريقية من جديد، لأن أفريقيا نفسها برز نجمها حالياً، وأصبحت قراراتها مهمة، أما بقية القضايا العربية فهي معروفة، ويمكن أن تلعب العلاقات المصريّة ـ السودانيّة المشتركة دورًا مهماً في صناعة وضع مستقر لدول الجوار، فمثلاً يهمنا جدًا استقرار ليبيا، ولا بد من المضي قدماً تجاه الحل السياسي السلمي في أفريقيا، بعيداً عن الحسم العسكري، لأن الأخير مكلف جداً، إذ إن جزءًا كبيرًا من ليبيا خارج عن قبضة الحكومة. الأمر الذي يحتم مضاعفة الجهد لجمع شمل السلطة في مظلة واحدة لتوحيد البلاد، فالحكومة القائمة الآن تفتقر لطرابلس، ولذلك لدينا قضايا مصرية ـ سودانية مشتركة، من بينها قضايا إقليمية تهمنا معاً، سأبحثها في القاهرة.
> ولكن إلى أين تذهب العلاقة بين البلدين في ظل التنازع على مثلث حلايب الذي أصبح العقبة الكؤود أمام الوصول بالعلاقات إلى التكامل الحقيقي الذي تدعو له حكومتا البلدين على مرّ الحقب؟ وهل نتوقع اختراقاً في هذا الملف؟
< ننظر دوماً إلى أن العلاقة مع مصر من أهم علاقات السودان الخارجية، نسبة للارتباطات الكثيرة والعميقة بين البلدين، أما فيما يتعلق بالنزاع القديم المتجدد، عندما بدأ في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، فهو أول من حاول ضم حلايب إلى مصر، وقتها كان في عهد حكومة عبد الله خليل، فكان رد الفعل أن الحكومة السودانية وقتها أرسلت قوات شمال القوات المصرية، مما يعني الاستعداد للصدام وقتها، حيث إن الرئيس عبد الله خليل نفسه مشى وعسكر هناك، فكان الرئيس جمال عبد الناصر رجلاً عاقلاً ولذلك سحب قواته، وفي ذات الوقت السودان قدم شكوى بموجبها إلى مجلس الأمن والشكوى موجودة حتى الآن، حيث إنها تجدد سنوياً غير أنها لم تنشّط، ومعروف تاريخياً أن الحدود بين السودان ومصر قبل اجتياح محمد علي باشا للسودان كانت حدود الأخير والتي تتمثل في الدولة السنّارية تبلغ جنوب أسوان، بمعنى أن مدينة أسوان نفسها خارج الحدود، ولو لاحظت للوقف السنّاري الموجود الآن في المملكة، وتحديداً في المدينة المنورة ستجد خريطة توضح حدود السودان الشمالية، وبعد أن جاء محمد علي باشا وضم السودان إلى مصر إذ لم يكن يعد السودان مستعمرة وعمل الحدود حتى أوغندا، ولكن بعد أن جاء الحكم الثنائي عد السودان جزءًا من أملاك الخديوي، باعتبار أن الإنجليز جاءوا مشاركين المصريين في حكم السودان، ولذلك كانت الحدود بين البلدين يرسمها دائماً وزير الداخلية في مصر منفرداً، وتغيرت الحدود أكثر من مرة في فترة الحكم الثنائي، ولكن الشاهد أن الحدود منطقة حلايب كانت على خط «22» تغيرت في منطقة الشرقية منها والتي سميت «بير الطويل» في منطقة النيل، وفي النيل الذي يتخذ نتوءا «عرقين»، وحجتنا أن هذه هي حدود السودان لأنه عندما جاء طرح النوبيين بعد أن غرقت بحيرة السد العالي المنطقة، فالسكان القاطنون في هذا النتوء هجّروا إلى داخل السودان، وفي عام 1953 جرت أول انتخابات للحكم الذاتي وقتها كانت حلايب دائرة انتخابية في ظل الحكم الثنائي، ولذلك فالحجة واضحة ولذلك فهي قوية، ولكن لماذا جاء التغيير في هذه المنطقة؟ جاء بغرض ضم قبائل العبابدة إلى مصر والبشاريين إلى السودان باعتبار أن رئاسة العبابدة في مصر ورئاسة البشاريين في داخل السودان في نهر عطبرة، ولذلك فإن المصريين يقولون حدودهم عند خط «22» ولكن نحن نتحدث عن الحدود بشكلها المعروف به في الأطلس في كل أنحاء العالم، حيث حين تأتي مثلاً على منطقة «بئر الطويل» لماذا أصبحت منطقة لا تتبع أحدا، نحن نقول إن منطقة «بئر الطويل» تتبع لمصر لأنها جنوب الخط «22» والمصريون يتحدثون عن أن حدودهم على الخط «22» ولذلك يقولون إن منطقة «بئر الطويل» تتبع للسودان، ولذلك فنحن لنا الحجة في ذلك غير أننا لن نحارب مصر في هذه الحدود وسنحاول حلّها بالتحاور والتفاوض مع إخوتنا المصريين وفي حالة العجز التام فلن يكون أمامنا إلا اللجوء إلى التحكيم وإلى الأمم المتحدة، ونحن لنا أمل بأن نصل إلى نهاية سعيدة بالتفاهم والتحاور والتفاوض المتعقّل، ولن ندخل في حرب مع الشقيقة مصر في هذه الحدود لأن ما بين البلدين والشعبين الشقيقين أكثر من تداخل، فهما كفيلان بأن يتجاوزا مشكلة الحدود.
> كان هناك لقاء مرتقب مع رئيس جنوب السودان في الخرطوم، ولكنه لم يتحقق بعد.. ما السبب؟ وهل نتوقع لقاءً جانبياً مع سلفا كير في القاهرة؟ وفي حالة اللقاء هل نتوقع حسماً لملفات الوضع بين السودان وجنوب السودان، وخاصة أن هناك اتهامات متبادلة على ضوء دعمها لحركة العدل والمساواة التي تقاتل إلى جانبها ضد خصيمها رياك مشار، فضلاً عن دعمها لقطاع الشمال للحركة الشعبية الذي يقاتل في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان؟
< نعم.. هناك لقاء مرتقب مع الرئيس سلفا كير في الخرطوم وليس في القاهرة التي يتزامن فيها لقاء كلينا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي فلن نلتقي هناك، ولكن سيكون اللقاء به قريباً في الخرطوم، وتأجل بسبب العملية الجراحية التي أجريتها أخيرًا، وفي ما يتعلق بالملفات المعلقة بيننا، أقول هناك «8» اتفاقيات تعاون موقعة بيننا وبين حكومة جنوب السودان، وجهدنا إقناع إخوتنا الجنوبيين أن مصلحتهم في تنفيذ تلك الاتفاقيات وأي تعطيل فيها يعني توتر في علاقات البلدين، فهناك مصالح مشتركة ومصالح الجنوب معنا أكبر من أي مصلحة له مع أي دولة أخرى، وقطعاً لدينا مصالح في الجنوب أكثر من أي مصالح مع أي دولة أخرى، ما يعني أن التداخل بين البلدين والعلاقات الشعبية والاقتصادية والتجارية ضخمة جداً ومرتبطة ببعضها، ولذلك ليس هناك معنى لمحاولة إيواء ودعم معارضين والدخول معنا في مناوشات ونزاعات، ونحن أخبرناهم وهم يعلمون كيف أننا جرّبنا ذلك مع إثيوبيا، ولم يأتِ بنتيجة للبلدين وقتها، ولكن عندما أصلحنا وعززنا علاقتنا مع إثيوبيا، استفدنا من ذلك، حيث أمنّا حدودنا تماماً بتنسيق مشترك وكذلك الحال مع تشاد والتي مرت بيننا تجربتان اكتشف فيهما البلدان أنه في الآخر ما هي إلا عملية استنزاف لقدرات البلدين بما لا يفيد الشعبين، فضلاً عن عدم استقرار في المنطقة، فنجحنا في تطبيق اتفاقياتنا المشتركة وجنينا ثمارها في البلدين أمناً واستقراراً، علماً بأن المعارضين في العادة مصلحتهم ألا تقف الحرب والعدائيات، ولذلك يجندون أنفسهم لجمع أكبر معلومات خاطئة للترويع وإشاعة كل ما من شأنه تعكير صفو علاقات البلدين، غير أن أملهم خاب وكسب الشعبان الأمن والاستقرار، وبالتالي نقول لإخوتنا الجنوبيين الأفضل أن نعمل مع بعض لتنفيذ تلك الاتفاقيات التعاونية التي صادقنا على آلياتها، وترك العدائيات وإيواء ودعم المعارضين والمتمردين هنا وهناك، وسنرى ثمارها وانعكاساتها على أمن واستقرار البلدين وبالتالي رفع اقتصادات الشعب ورفاهيته، وسنبذل جهدنا معهم لذلك فهم محتاجون لتأمين حدودنا ومصالحنا معهم كما الحال بالنسبة لنا، ولا بد من معرفة أن البترول هو المصدر الوحيد حالياً لخزينتهم، وبالتالي نهضتهم تعتمد على صون وتأمين هذا المصدر وذلك لا يجري دون العمل لتنفيذ تلك الاتفاقيات المتفق عليها، وأنا شخصياً قلت لهم إذا وقف ضخ هذا البترول عبر السودان بالتأكيد نحن سنتعب ولكن هم سيموتون.
> كان هناك اتهام من قبل ليبيا، وتحديداً من حكومة عبد الله الثني بأن السودان يدعم الميليشيات الإسلامية في بلاده.. ما حيثيات ذلك وهل من مساع لاحتواء هذا الموقف؟
< الآن اقتنع الرئيس عبد الله الثني أن المعلومات التي بنى عليها الاتهامات كانت خطأ، لأنه هو من وقع معنا اتفاقية مشتركة بين ليبيا والسودان، حيث لدينا قوات مشتركة حالياً قيادتها في الكفرة ولدينا قوات داخل ليبيا لتأمين الحدود، ونحن نفذنا تدريب 1200 طالب حربي للجيش الوطني وليس جيش الثوار وفق الاتفاقية، عندما كان عبد الله الثني وزيرًا للدفاع، حيث سلمّنا الجيش الوطني 20 طائرة وهذا لا تقوم به إلا دولة عظمى، فضلاً عن أعداد كبيرة من الذين تدربوا على أيدينا، إذ دربنا أعداداً ضخمة جدًا من الجيش الوطني وكنا وما زلنا ندعمهم، فلو كنا نريد أن نرسل ذخيرة كتلك التي أرسلت إلى الكفرة، لا نرسلها بطائرات «أنتينوف»، علماً أن الطائرات الرئيسة في طرابلس في أيدي «فجر ليبيا»، فيمكن أن تقوم طائرات من الخرطوم إلى الكفرة مباشرة ولكن لن تكون طائرات «أنتينوف»، ولا تنسى أن القوات في الأصل مشتركة وهي تابعة للحكومتين، وهذا ما أكده العقيد سليمان حامد قائد القوات الليبية المشتركة في بيان له نفى فيه صحة تلك الاتهامات، ومع أنهم تسلموا شحنة المؤن الخاصة بهذه القوات، وذهبوا إلى أنهم تسلموا جزءاً وأرسلوا الجزء الآخر إلى معيتيقة، ونحن لا يمكن أن نرسل إلى معيتيقة طائرات «أنتينوف»، ولو كنا نريد فعل ذلك لأرسلنا طائرات أخرى تقوم بالمهمة المزعومة، نحن نؤكد أننا نعمل لدعم الحكومة الليبية وكنا دائماً نتحدث مع الآخرين ألا يكون نحن أو أي دولة من دول الجوار طرفاً في الصراع ولا نرغب أن نتصارع داخل ليبيا، وينحصر دورنا في توظيف علاقاتنا لصالح جمع الصف الليبي لا نعمل لصالح طرف ضد طرف آخر، ونحن لدينا علاقات مع كل أطراف ومكونات الثوار، لأنه نحن أكثر دولة تأذّت من حكومة معمر القذافي، والذي كان منذ عام 1983 يدعم بقوة جون قرنق رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان ويوفر كل احتياجاته لخوض حروب ضد حكومات السودان وعندما انتهى أمر قرنق إلى اتفاقية السلام الشامل والتي عمل ضدها لتنتهي بانفصال جنوب السودان، ثم بعد ذلك وجد ضالته في حركات التمرد في دارفور، حيث وفر لهم كل الدعم العسكري والتدريبي والمالي لخوض حرب عصابات في غرب السودان، وكذلك الحال عندما كانت إريتريا وأوغندا في حالة حرب معنا، القذافي كان دعمه مفتوحاً من حيث السلاح واحتياجاتهم من البترول للتضييق على السودان ومحاربته، ولذلك عندما اشتعلت الثورة في ليبيا والتي رأينا في تخليص الشعب الليبي من ديكتاتور فضلاً عن حاجتنا لتقية السودان من شروره الفظيعة دون وجه حق، فدعمنا كل الثوار دون تفريق وبدءًا من الكفرة حتى تسلموها وأمنّا مصراتة «زنقة زنقة»، وكذلك الجبل الغربي.
> ولكن هناك من يعتقد أنكم سعيتم لدعم «الإخوان المسلمين» في الثورة الليبية.
< لم يكن للإخوان المسلمين أي وجود عند قيام الثورة في ليبيا ولذلك لم يكن لديهم في هذه الثورة أي حضور أو مشاركة يعمل لها حساب، لأن القذافي طاردهم قتل من قتل منهم ورمى من رمى به في السجون وعذبهم ولم يترك لهم مجال للمحاكمة والبقية الباقية سعى القذافي لتشردهم وتهجيرهم من البلاد وهؤلاء أكثر «الإخوان» حظوة لأنهم فلتوا من قبضته، ولذلك لما قامت الثورة الليبية لم يكن لهم وجود ونحن حينما دعمناهم دعمناهم لأننا نعلم أنهم يمثلون الشعب الليبي لا جهة أو تيار محدد، وكان الناس يتابعون الإعلام ويعرفون أن ثوار الجبل الغربي يتبعون ثوار الزنتان وثوار مصراتة، وغير ذلك ونحن في ذلك دعمنا كل الثوار لتأمين المطارات من ذخيرة وأسلحة فهم كانوا في حاجة ماسة لأكبر قدر من الذخيرة ولذلك اتخذنا هذا الموقف، ولذلك لدينا علاقة مع كل الثوار في ليبيا بمختلف توجهاتهم وتياراتهم وبالتالي يمكننا الاستفادة من هذه العلاقة في إصلاح ذات البين بين الفرقاء الليبيين وجمع صفهم.
> وهل استطعتم أن توظفوا علاقتكم مع كل الثوار في جمع الصف الليبي؟
< كنّا منذ عهد مصطفى عبد الجليل تحدثنا مع الإخوة في ليبيا، ونصحناهم بضرورة دمج الثوار كافة وصهرهم في بوتقة واحدة في الحياة المدنية والعسكرية وشددنا على ضرورة عدم تركهم هكذا، خاصة أن لديهم شعور أنهم هم من صنع الثورة وأنهم هم من حرر ليبيا وأنهم هم من اقتلع نظام القذافي من جذورهم، ما يعني أن تركهم سيولد لديهم غبن يمكن يسبب كارثة ووجودهم بالشكل الذي هم عليه في ذاك الوقت سيكون خطرًا على الدولة الليبية، وليس هناك أي مجال لتسريحهم، ولذلك لدينا اقتراح بأهمية الاستفادة من خبرتنا في دمج القوات حتى المعادية منها ودمجناها في الجيش السوداني، وهذه الخبرة متاحة لكم ونحن جاهزون للعمل معكم لتحقيق مشروع هذا الدمج، ويمكن توزيعهم بشكل مقنن على الجيش والشرطة والأمن وحتى الحياة المدنية بطريقة سلسة، إيماناً منّا بأن وجود جيوش ولاؤها لقادتها أو مناطقها سيشكل خطرًا على الدولة ومستقبلها فكانت هذه النصائح سددناها لهم منذ عهد مصطفى عبد الجليل ولا نزال نؤكد على ضرورة دمج كل الثوار في الحياة العامة، حتى لا يتركوا هكذا مسلحين دون نظام يستوعبهم بشكل سلس وسيظل هذا موقفنا حتى تقوم لليبيا قائمة.
> هناك وثيقة خطيرة جرى تداولها خلال الأيام القليلة الماضية ونشرها الباحث الأميركي المتخصص في الشأن السوداني إيريك ريفز عما جرى في اجتماع للقيادات العسكرية والسياسية والأمنية بالخرطوم نهاية أغسطس (آب) الماضي ذهبت إلى أن الحكومة تعزز إستراتيجيتها مع إيران وتموّه الخليجيين بالعلاقات الاقتصادية والاستثمارية وتسعى في الوقت نفسه للنيل منهم.. ما حقيقة ما جرى فيها من معلومات؟
< هذا أمر مفبرك حتى النخاع ومن الألف إلى الياء، ولكن يبدو بصورة احترافية من جهات ذات غرض تسعى بكل ما أوتيت من قوة وعدة وعتاد لخنق الحكومة وإفساد علاقاتها مع الأشقاء الخليجيين بحبكة، دعني أؤكد لك من خلال هذا المنبر هذا مجرّد افتراء للنيل من حكومة السودان وإضعافها وزعزعة الثقة التي تزداد يوماً بعد يوم من الأشقاء والذين لا أعتقد أنهم ينساقون لمثل هذا الافتراءات المضللة لأنه أمر مفضوح، فالحكومة ليس بهذه السذاجة وهذا الاضمحلال الفكري والسياسي والاقتصادي والذي لا يفضي إلى القضاء على كينونة السودان وأرضه وشعبه، ولكن من المعروف أن تلك الجهات ذات الغرض تتفنن كل مرة لاستغلال أمر ما للنيل من الحكومة، وهو كالحديث عن أن الحكومة السودانية تسعى لتشييع الشعب السوداني، فأنت كإعلامي سوداني مراقب للساحة السودانية، يمكن أن تكون قد لاحظت حجم الترحيب بهذا القرار، على مستوى الشعب السوداني كافة من أقصاه إلى يمناه ومن كل الأطراف والمذاهب، حيث لا يوجد جهة لم ترحب به حتى الآن، بهذا القرار، بل إن الدعاة سواء أكانوا سلفيين أو صوفيين أو غيرهما، وجدوا في هذا القرار فرصة، من أجل أن يشرحوا إلى الشعب السوداني ماهية المذهب الشيعي، حيث إن المعلومات التي وردت إلينا بعد اتخاذ القرار في كل مساجد السودان بنسبة «100%»  تركزت خطبها على الإشادة بالقرار، وعدم أحقية أي شيعي بالحديث عن ذلك، لدرجة أننا قلنا حتى لو كان هذا القرار يأتي لنا بهذا التأييد الشعبي على مستوى السودان فإنه على الصعيد السياسي فقط كسبنا القضية، ناهيك بإيماننا العقدي على السعي لتعزيزه، ولذلك لا أعتقد أن هناك حكومة راشدة عاقلة تسعى للسباحة عكس التيار للرأي العام وعلى عكس ما يشتهي الشعب إلا إذا أرادت أن تنتحر، ولكن أي كلام عن اجتماع بهذه الصفة ونشر وثيقة بهذا الركاكة والغلّ فإنه مفبرك من الألف إلى الياء، وكما ذكرت أن نفس الجهات التي سعت لتضخيم علاقة السودان بإيران من خلال التأليف بأن هناك مشروع صناعات سلاح محرمة لاستهداف هذه الجهة أو تلك، أو دعم الحوثيين من خلال إيران على سبيل المثال نحن في اليمن كنا نزود الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح لمحاربة الحوثيين، وهو الأمر الذي كان يعمله معنا عندما يقع حدث يهدد أمن السودان، حيث يرسل لنا هو الآخر سلاح، ولما بدأ الصراع مع الحوثيين اتصلت به أنا شخصياً فطلب منّا دعماً معيناً وهي ذخيرة معينة فما كان منّا إلا أن أرسلناها له، علماً أن الحوثيين هم أنفسهم الذين روّج لهم البعض أنهم مستفيدون من علاقتنا بإيران، فنسجوا حولها الأراجيف وضخموها وهؤلاء نفس الجهات التي أخرجت إلى وسائل الإعلام هذه الوثيقة وبالتأكيد سيخرجون بغيرها بشكل مختلف، ولكن نحن نقول إن صاحب العقل يميّز، ونحن نثق في رجاحة وتعقل القيادة السعودية، فخادم الحرمين الشريفين معروف عنه التأني والتعقّل، فالسياسة لو كانت لعبة خبيثة لا بد من استخدام أدوات معقّمة ومطهّرة لضمان نجاحها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق