الخميس، 16 أكتوبر 2014

هل يمكن أن تصبح "أبيي" جسراً للتواصل ومنطقة للتعايش السلمي؟

تباينت الرؤى واختلفت وجهات النظر حول "أبيي" فمنهم من اعتبرها جسراً للتواصل بين "السودان وجنوب السودان"، وآخرون وصفوها بـ"القنبلة الموقوتة".
بينها واقع أبيي إنها منطقة غنية بالنفط متنازع عليها بين الدولتين، تقدر مساحتها بحوالي "11" ألف كيلو متر تقريباً، ولها بروتوكول خاص وفق اتفاقية السلام الشامل 2005 أدى بذاته لإشتعال حرب ضروس بين الدولتين عقب إنفصال جنوب السودان وأصبحت مهدداً للسلم والأمن الدوليين، مجلس الأمن الدولي من جانبه، وبموجب سلطاته فوض قوة مؤقتة للأمم المتحدة "يونسفا" لتعمل على حفظ السلام بالمنطقة بموجب قراره رقم "2046" للعام 2012 تنفيذاً للاتفاقيات الموقعة بين "السودان وجنوب السودان" في 20 يوليو و29  يونيو و30 يونيو عام 2011 وتبعاً لذلك تبنى المجلس في قراره الأخير أمس الأول الثلاثاء 14 أكتوبر 2010 بالإجماع تمديداً جديداً لولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة لأبيي "يونسفا" حتى 28 فبراير 2010"، وطالب القرار مجدداً البلدين بالشروع على وجه السرعة في إنشاء إدارة منطقة أبيي، وتسوية أزمة تشكيل المجلس، وتشكيل دائرة شرطة أبيي بغرض تمكينها من الاضطلاع بمهام حفظ الأمن في جميع أنحاء منطقة أبيي.
السيادة وسلامة الأراضي السودانية
التمديد الأخير لليونسفا ليس الأول فقد سبقته "5" تمديدات تحت البند السابع، فالأول منها جاء بموجب القرار الدولي "1990" في 27 يونيو 2011 إثر تفاقم أعمال العنف في هذه المنطقة الغنية بالنفط، وذلك غداة إعلان جنوب السودان انفصاله عن السودان في التاسع من يناير 2011، فجاء القرار لتنفيذ المسائل العالقة من اتفاقية السلام الشامل 2005 الموقعة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لإحلال السلام وتحقيق الإستقرار، والتي تأثرت كثيراً بالتلكؤ من قبل الطرفين هنا وهناك حسب أجندة كل طرف، وقد جاءت تأكيدات القرار على أن تلتزم هذه القوات بمبدأ السيادة وسلامة الأراضي السودانية، وتحقيقاً للقرارات الدولية "1674" الصادر 2006 و"1894" و "1882" الصادران في 2009 وبقية القرارات ذات الصلة والإختصاص، وعلى رأسها اتفاقية الترتيبات الإدارية الموقعة بين الطرفين "السودان وجنوب السودان" في أديس أبابا في 20 يونيو 2011 وقد صادق المجلس حينها على نشر قوة عاجلة أثيوبية لحفظ السلام قوامها "4200" جندي، بيدما تأزمت الأوضاع عقب مقتل الناظر كوال دينق ماجوك في 5 مايو 2013، وأدت بذاتها لإضافة "1126" لقوات اليونسفا لتصبح "5326" فرداً لا زالت تواصل مهمتها في أبيي.
إحتمالات إندلاع قتال وأعمال عنف
التمديد لولاية قوات حفظ السلام في أبيي المعروفة بـ"اليونسفا" لفترة جديدة ليست بالسهلة فقد صاغ الأمين العام للأمم المتحدة بأن كي مون جملة من المقترحات والمبررات حسب المستجدات والمتطلبات الواقعية، فقد حذر كي مون إبان التمديد السابق "الخامس" والذي جاء بختام الجلسة في 30 مايو 2014 "التمديد لليونسفا بولاية جديدة مدتها أربعة أشهر ونصف إنتهت أمس 15 أكتوبر 2014 الجاري، حذر خلالها الأمين العام بشدة من إحتمالات إندلاع قتال وأعمال عنف بين "حكومتي السودان وجنوب السودان" في الفترة المتبقية من العام الحالي، عازياً ذلك في تقريره لتواجد قوات مسلحة من جنوب السودان وميليشيات من السودان في منطقة أبيي المتنازع عليها بين البلدين، وقال إنها ستشكل بالفعل تهديداً كبيراً للأمن والاستقرار في المنطقة والتي أدت بدورها إلى زيادة خطيرة في الأعمال الإجرامية، إلا أن المجلس قد إنقسم بشأن قوات اليونسفا إلى ثلاث مجموعات في وقتها قبل عودتها للتصويت بالإجماع على التمديد لولاية اليونسفا كما ذكرنا أنفا "أربعة أشهر ونصف".
تكنلوجيا جديدة في عمليات حفظ السلام
بينما ظلت ذات المبررات والمسوقات تراوح مكانها في وقت كشف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في إطار التمديد عن إتجاه المنظمة الأممية لإدخال تكنلوجيا جديدة في عمليات حفظ السلام نشر "طائرات بدون طيار"، لأكثر من "70" بعثة لحفظ السلام في أربع قارات ظلت تعمل في حفظ السلام منذ تأسيس المنظمة في العام 1948، لأجل حماية أفل للمدنيين، وحماية أعضاء تلك البعثات الأممية التي فقدت أكثر من "3200" شخص من أعضائها في سبيل القيام بواجبهم، فضلاً عن ترقية أداء تلك البعثات الأممية.
الحل النهائي لأبيي في يد البشير وسلفاكير
ولكن لماذا كل ذلك أليس بالإمكان أن تتفق الدولتان على حلول مرضية للطرفين؟ الرئيس السابق المشترك للجنة الإشراف المشتركة من قبل السودان الخير الفهيم المكي يقول في حديثه لـ"الصحافة" حل قضية أبيي جاءت عبر لجنة التحكيم الدولية ببرتكول أبيي، وقال إنه واضح وصريح، فقد وضع الحل النهائي لأبيي في يد رئيسي البلدين "السودان ودولة جنوب السودان" وقال إنهما قادران على تجاوز المعضلة بما يحقق الاستقرار لكل من البلدين ويحفظ حقوق المجتمعات بالمنطقة من أجل التعايش بسلام.
منطقة أبيي خالية من الأسلحة
إلا أن عضوية مجلس الأمن الدولي بذاتها قد إنقسمت كثيراً حول دور وأهمية قوات حفظ السلام المؤقتة وتقرير مصير أبيي ودور المؤسسات وتنفيذ اتفاقية الترتيبات الإدارية والأمنية، وتباعاً لذلك فقد انقسمت إبان التمديد الخامس إلى ثلاثة تكتلات، رغم أن الأمين العام شدد أمام المجلس قائلاً "لا يمكن لمنطقة أبيي أن تبقى دون وجود أي ترتيبات إدارية مشتركة وترتيبات لحفظ النظام والقانون"، وقال إنها تحتاج لجهود إضافية لمواجهة الأوضاع هناك، وطالب الأمين العام في تقريره حكومتي البلدين "السودان وجنوب السودان" ولجنة المراقبة المشتركة "اليونسفا" في أبيي أن تتفقا على وجه السرعة مع القبائل المحلية بشأن تكوين آلية لمراقبة الأسلحة الصغيرة وقال إنه يراها ضرورية لجعل منطقة ابيي خالية من الأسلحة وهي بذاتها مقترح "التعايش السلمي" الذي أقرته اللجنة الإشرافية المشتركة من قبل السودان.
إنقسام مجلس الأمن حول أبيي
بينما جاء التمديد "السادس" أو الأخير بتاريخ أمس 15 أكتوبر 2014 فقد جاء بالإجماع مغايراً لما شهدته جلسة التمديد "الخامس" المنعقدة في 30 مايو 2014، والتي إنقسم المجلس حولها إلى ثلاث مجموعات، فالمجموعة الأولى والتي تقودها أمريكا وبريطانيا وفرنسا رفضت بشدة التمديد لبعثة اليونسفا لولاية جديدة، وربما كانت ترمي بذاتها لوضع منطقة أبيي تحت الوصايا الدولية الكاملة حسب البند السابع، بينما جاء التداول بـ"4" مقترحات كما أكدتها مصادر واسعة الإطلاع لـ"الصحافة"، أولاها إنسحاب قوات اليونسفا بالكامل وقالوا أن هذا المقترح وجد انتقاداً حاداً من بعض الدول والتي قالت أن انسحاب اليونسفا يعني "حريا مباشرة بالمنطقة"، أما المقترح الثاني إدارة منطقة أبيي عبر اليونسفا، ايضاً وجد هذا المقترح معارضة شديدة فالدول التي اعترضت عليه قالت أن الخطوة تعني تدخلاً في السيادة الوطنية ولا يمكن لأي من الدولتين قبول ذلك، وتتعارض الخطوة بذاتها مع القرار "1990"، بينما دعا المقترح الثالث إلى تأييد مقترح أمبيكي القفز مباشرة للوضع النهائي "استفتاء أبيي"، إلا أن هذا المقترح بذات تحفظ عليه الأمين العام بنفسه قبل أن تعود المجموعات متفقة حول التمديد المذكور لتنفيذ اتفاقية الترتيبات الأمنية والإدارية حفاظاً وتحقيقاً على التعايش السلمي وتجنيب المنطقة والمجتمعات المحلية شبح الحرب.
اتفاقية الترتيبات الأمنية والإدارية.
ولكن دعونا نتوقف قليلاً عند اتفاقية الترتيبات الأمنية والإدارية والمعروفة باتفاق 20 يونيو 2011 في أديس أبابا بين السودان وجنوب السودان حول أبيي! الاتفاقية أقرت إنشاء إدارية منطقة أبيي وتشكيل مجلسين تنفيذي وآخر تشريعي وفق اتفاق تم الطرفين على أن تؤول رئاسة المجلس التنفيذي من "مؤسسات وزارية" لدولة جنوب السودان ورئاسة التشريعي من "20" عضوا لحكومة السودان وتشكيل دائرة شرطة أبيي من الطرفين بغرض تمكينها من الاضطلاع بمهام حفظ الأمن في جميع أنحاء منطقة أبيي، بينما سكنت الاتفاقية عن الأنصبة لكل طرف في المجلس التشريعي والتي أصبحت بذاتها محل جدال طويل قبل أن تعود دولة الجنوب لتتراجع عن قبولها رئاسة المجلس لدولة السودان، وتطالب ايضا بنصيب 60% من عضوية المجلس لدولة الجنوب و40% للسودان على أن تؤول 50% منها لأبناء دينكا نقوك بالمؤتمر الوطني بالسودان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق