الاثنين، 30 يناير 2017

فيروس «الخديوية» في سياسة مصر السودانية

عند التحليل العميق لتقارير وزارة الخارجية البريطانية، وعند النظر إلى مواقف مصر في السودان قبل استقلاله وبعد، يتضح أنَّ في حقبة الحكم الإنجليزي ـ المصري للسودان، كانت مصر بحكم «فيروس» الخديوية الذي يجري في دماء سياستها السودانية ، تدمن التغوّل المستدام على سيادة السودان. بينما كانت بريطانيا شريكة الحكم الثنائي هي التي ترعى استقلالية السودان أكثر من مصر . بريطانيا مستعمِر يرى أن السودان «ملك منفعة». مصر مستعمِر يرى أن السودان «ملك عين» أو «ملك حرّ»، أو «ملك يمين»!. «ملك المنفعة» يعود إلى صاحبه الأصيل بعد فترة. «ملك العين» يظلّ بيد المالك إلى قيام الساعة!. كان اللقب الرسمي لملك مصر هو «ملك مصر والسودان». وذلك الوضع الخاطئ لم يصحّحه إلا رئيس وزراء السودان الزعيم اسماعيل الأزهري، الذى لقَّن الرئيس جمال عبد الناصر درساً في مؤتمر باندونج . وقد كان إلى جانب السيد/ الأزهري أول وزير خارجية في العهد الوطني السيد / مبارك زروق . ومن نماذج تلك «الخديوية»، وعلى خلفية تلك «السِّيادة»، و تلك «الوصاية» على القرار السّوداني، كان أن قامت بريطانيا على الصعيدين القانوني والسياسي بمناهضة قانونية لتصرّف مصر بإيقاف السَّفينة الإيطالية التجارية التي كانت تحمل شحنة من بذرة القطن من بورتسودان إلى إسرائيل. وكذلك ناهضت بريطانيا مطالب مصر فيما يتعلق بحظر تجاري كامل فوري في المستقبل بين السودان وإسرائيل. كما أن بموجب اتفاقية الحكم الثنائي في يناير 1899م، ليس لدى مصر حق قانوني بأن تأمر حكومة السودان بوقف التجارة مع إسرائيل، أو أى دولة أخرى. حيث إن هذا الحقّ يتمتع به الحاكم العام للسودان وحده. ونظراً لأنّ الحاكم العام للسودان لم يطلب منه أحد فرض حظر تجاري بين السودان وإسرائيل ، لذلك وما دام أن الحاكم العام للسُّودان لم يفرض تقييدات على التجارة مع إسرائيل، فإن للتجار السودانيين مطلق الحرية في التعامل التجاري مع إسرائيل، وفقاً لما كان موجوداً من قبل. ذلك بالإضافة إلى أن الحاكم العام للسودان قد صدرت إليه الأوامر في اتفاقية 1899م بأن يلتزم الحكم الراشد في السودان ،ولذا فإنَّ سؤال التجارة مع إسرائيل ينبغي فحصه واتخاذ القرار بشأنه بنقاء يتماشى مع المصالح السودانية. جاء ذلك في وقائع إجتماع حكومة بريطانيا«W. M. G» بتاريخ 24/يونيو/1950م «FO 371/80431».
من جانب السفارة البريطانية في القاهرة فقد أشارت في خطابها إلى وزارة الخارجية في لندن بتاريخ 14/يونيو/1950م،«FO 371/80431» ،بأنَّ مصر تحظر على السودان التجارة مع إسرائيل،من باب «تسجيل الموقف» لصالح الجامعة العربية ، أكثر من اقتناعها كمصر بذلك الموقف «موقف الطلب من السودان حظر التجارة مع إسرائيل». وخلصت السفارة البريطانية في القاهرة إلى أن «تسمح بريطانيا لحكومة السودان بالتجارة مع إسرائيل» . في 12/يونيو/ 1950م قامت وزارة الخارجية البريطانية، بعد مشاورات مع السفارة البريطانية في القاهرة واستشارة السِّير «روبرت هاو» الحاكم العام للسُّودان، بإصدار الأوامر بأن يتصرَّف الحاكم العام للسُّودان بصورة حاسمة تماماً ضد المطالب المصرية . حيث يجب عليه أولاً السماح بحركة الطيران بين السودان وإسرائيل وتشجيع استمرار التجارة بين السودان وإسرائيل. حيث إنّ مطالب مصر ، بحقوق سيادية في السودان، يجب مقاومتها. وبرغم أن السلطات المصرية لايمكن منعها من وقف الشحنات التجارية وكلّ الصادرات المتجهة إلى إسرائيل، في المستقبل، من المرور في قناة السويس، ستصبح تلك المخاطر في المستقبل على مسئولية المُصدِّرين الشخصية. ورد ذلك في خطاب مستر «ينجر» إلى الحاكم العام للسودان بالإنابة مستر «كمنج» بتاريخ 23/6/1950م«FO/ 371/80431» . ولذا نصحت بريطانيا سفينة تجارية يونانية كانت في طريقها من السّودان إلى إسرائيل، أن تبحر من ميناء بورتسودان عبر رأس الرجاء الصالح. و ذلك حتى لا تلقى السلطات المصرية القبض على شحنتها من بذرة القطن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق