الأربعاء، 18 يناير 2017

مسارات السودان: أمريكا وانقلاب الجنوب

بالأمس أصدرت السفارة الامريكية بجوبا عاصمة جنوب السودان بياناً شديد اللهجة، ونفت فيه ضلوعها في أي محاولة انقلابية ضد حكومة الجنوب، واستنكرت كل الاتهامات التي ساقها سانتيو دومينيك المتحدث باسم الجيش الشعبي واتهم فيها دول الترويكا عقد اجتماع في 3 يناير 7102م بالعاصمة الكينية نيروبي لدعم المعارضة الجنوبية واسقاط حكومة سلفاكير.. ويبدو أن امريكا تتحسس الآن ما تقاسيه الحكومة السودانية في تعاملها مع دولة جنوب السودان، وهو أمر يفوق سوق الاتهامات بلا دليل ولا منطق، إلى اتخاذ خيارات ومواقف سياسية لا تتسم بالواقعية والرشد والمصالح الوطنية..
ودولة جنوب السودان الآن تعاني مرحلة فقدان الدولة للسيطرة والقدرة على إدارة شؤون البلاد وانشاء منظومة حكم متماسك وفاعل، وربما لازالت حكومة الجنوب تعاني في الانتقال من حالة الحركة المسلحة إلى حالة الدولة القادرة على التعامل مع مقتضيات الحكم والسلطان.
وفي الأشهر الماضية، وفي حالة نادرة وجهت الخارجية الامريكية انتقاداً قاسياً لحكومة الجنوب لاستمرار استضافة الحركات المسلحة السودانية على أراضيها واستمرارية امداد المؤن والعتاد والتشوين والأسلحة، وارتباط حكومة الجنوب بقطاع الشمال هو بعض من عدم القدرة على التمييز بين مصالح الدولة ورهانات الحركة الشعبية، ومع أن لدى حكومة جنوب السودان فرصاً كثيرة لتحقيق الأمن بين البلدين إلا أنها تتقاعس عن أداء هذه المهمة لتقاطعات ومصالح داخلية.
وقد أدى الاضطراب الأمني لعدم استكمال خطوات السلام وترسيم الحدود (2 ألف كلم) وانشاء المعابر الحدودية وانهاء ملف الديون بالشراكة مع المجتمع الدولي، وازالة التوترات الأمنية، فلازالت أيادي حكومة الجنوب بإرادة منها أو بغض النظر والتجاهل.. وتلك تحديات حكومة السودان مع دولة الجنوب، مع أن السودان أمضى أكثر القرارات مرارة في تاريخه السياسي حين وافق على تقرير المصير في يوليو 2011م بعد أن أصبح ذلك خيار غالب أهل جنوب السودان، وتحمل تبعات الحرب الأهلية في الجنوب ونذر تفكك الدولة. الجنوبية الوليدة.
إن جنوب السودان يشهد مرحلة مفصلية وعلى الإدارة الأمريكية أن تدرك هذه الحقيقة، فقد تضافرت عناصر كثيرة في وقت سابق لتشجيع أمريكا على خيار انفصال الجنوب، سواء لاسناد اسرائيل والتغلغل في العمق الاستراتيجي الافريقي والعربي أو استجابة لمقتضيات مرحلية وضغوط جماعة مصالح..
لقد جاء انفصال الجنوب وهذه الدولة تعاني من خلل أساسي:
فهي لم تشهد بناءً إدار ياً شاملاً وطبيعياً طيلة تاريخها ونشأتها، وظلت رهينة لحالة تمرد متصل ولذلك تفتقد عقد الدولة المتماسك والتجربة الضابطة.
وتفتقد الدولة الوليدة بنية اجتماعية، مع وجود تفكك قبلي واثني.
وغياب بنية تحتية، فقد أهدرت الحرب كل فرص التنمية وبناء المؤسسات.
إن السودان يعاني كثيراً من حالة الانفلات الأمني في جوبا، وأكثر من ذلك عدم المسؤولية السياسية والالتزام الوطني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق