الثلاثاء، 3 يناير 2017

"نقض العهود"

وجود حركات دارفور المتمردة في جنوب السودان، أصبح من الأمور المسلّم بها، رغم تعهدات قادته المتكررة بطرد هذه الحركات من أراضيها، وعدم السماح لها باستخدام أراضيها منصة لانطلاق أي نشاط عدائي تجاه السودان، لكن جوبا في كل مرة درجت على نقض عهودها.
لم تلتفت جوبا إلى الأوضاع الأمنية المضطربة داخلها، بل ظلت تسير في ذات النهج، بدعم واحتواء الحركات السودانية المتمردة، في خرق واضح للمواثيق والقوانين الدولية التي تحرم الدعم والإيواء لأي من عناصر التمرد ضد الدول الجارة، ورغم توقيعها على اتفاقية التعاون المشترك مع السودان في عام 2012، وتعهداتها بطرد الحركات المتمردة. لكن لم تزل تعهدات جوبا حبراً على ورق، كما أنها ظلت تعمل على تنفيذ الاتفاقات الموقعة مع السودان بطريقة انتقائية، وفق ما يحقق احتياجاتها، وخير دليل على ذلك حرصها على تنفيذ اتفاق عبور النفط والحريات الـ4 (التنقل، والإقامة، والعمل، والتملك). فيما يدرك المراقب للساحة السياسية أنها ظلت تتجاهل تطبيق اتفاق الترتيبات الأمنية.
في الآونة الأخيرة استخدمت جوبا أسلوب اللعب على الحبال، ما بين محاولات إرضاء الحكومة السودانية بإعلان عزمها طرد الحركات المتمردة علناً، وتسليح ودعم تلك الحركات سراً، ويتضح ذلك من خلال المحاولة الأخيرة التي قام بها بعض قيادات التمرد من قطاع الشمال، حينما أصدروا مؤخراً أوامر إلى قوة رمزية من أبناء (هيبان ومورو) بالتحرك والالتحاق بقوات الحركة المتمركزة في جنوب كردفان، في محاولة للتمويه وإرسال إشارة بخروج قطاع الشمال من جوبا، وفقاً لتصريحاتها بطرد الحركات. وبالفعل تلقت القوة أوامرها من القائد جقود، وتضم فرعين للأنشطة السياسية والعسكرية، لكن سرعان ما كشفت المعلومات أن مالك عقار وياسر عرمان أصدرا أوامر بتوزيع بطاقات وطنية وجوازات جنوب سودانية لبقية القوات، وتنسيبهم في الجيش الشعبي لدولة الجنوب بصورة رسمية، على أن يتم نقلهم إلى غرب الاستوائية وبحر الغزال، للقتال في صفوف قوات حكومة الجنوب.
 ويؤكد الخبير العسكري، الفريق محمد بشير سليمان، أن الرباط القائم ما بين حركات التمرد السودانية وحكومة جنوب السودان، رباط قديم، وتمثل الحركات جزءاً أصيلاً منها، إذ إنها تسعى لاستكمال خطة استراتيجية وصراع فكري وأيديولوجي بتأسيس السودان الجديد، بدءاً من العام (1953م). وحسب مفهومهم، فإن الرباط يظل قائما، وهو السبب الأساسي في عدم تنفيذ الاتفاقيات ما بين السودان وجنوب السودان، لهذا فإن حكومة جنوب السودان تستمر في دعم الحركات. ويضيف سليمان أن هذا الأمر خلف تأثيرا سلبيا على الاتفاقيات بين البلدين، خاصة وأن حكومة الجنوب عندما أصدرت قرارها بطرد الحركات المسلحة من أراضيها، لم تكن جادة في هذا القرار، ويظل صراع الإيفاء بالالتزامات وتغليب المصالح يحكم العلاقات بين البلدين.
ورغم الهزائم المتتالية التي منيت بها الحركات المتمردة في المنطقتين ودارفور، إلا أنها ظلت ترفض الوصول لحلول عبر المنابر التفاوضية، استناداً إلى الدعم اللوجستي والعسكري الذي تقدمه جنوب السودان بشهادة التقارير الدولية، والذي يشمل كل الأشكال، بعضها تمثل في الأسلحة الثقيلة ومضادات الطائرات، وآخر عبارة عن دعم مالي ومعنوي وتكتيكي، وأصبح دعم جوبا للحركات هدفا إستراتيجيا رغم النداءات الأمريكية التي تحذر من تأثير استمرار هذا الدعم على الأمن القومي للدولتين.
ويقول شرف الدين محمود، المتحدث الرسمي باسم حزب التحرير والعدالة، إن العلاقة ما بين الحركات السودانية المتمردة ودولة جنوب السودان، علاقة متشعبة تحكمها المصالح المشتركة، معتبراً أن تنفيذ خروج الحركات من الجنوب أمر في غاية الصعوبة، إذ إنه يصعب أن يتم الطلاق ما بين الحركات والدول الراعية، ففي نهاية الأمر هناك حسابات وقراءات أخرى تؤكد تمسك حكومة الجنوب بالحركات، وأن فك الارتباط هو مجرد فرقعة إعلامية و(كروت) لكسب ثقة حكومة الخرطوم. ويلفت محمود إلى أن المؤشرات تؤكد أن كل ما تتحصل عليه الحركات من دعم لوجستي، والذي يشمل الأسلحة والعربات والمؤن، تتقاسمه حكومة الجنوب معها، إضافة إلى ذلك، أن الحركات أصبحت تتولى مسألة مقاتلة المعارضة الجنوبية دفاعاً عن حكومة الجنوب.
من خلال متابعة الساحة السياسية، يدرك المراقب أن جوبا لم تدع لحكومة السودان خيارا سوى أن تستمر في معاملة مواطني دولة جنوب السودان كأجانب، طالما أنها مستمرة في دعمها للحركات المتمردة، ويؤكد تبدل مواقف السودان تجاه مواطني الجنوب، ما ذكره وزير الخارجية إبراهيم غندور خلال الأيام الماضية، بأنه "متى رفعت جوبا يدها عن دعم التمرد، فالسودان سيكون مفتوحاً للجنوبيين".
وظلت جوبا تحتضن الحركات السودانية المتمردة منذ الانفصال، غير أبهة بتحذيرات حكومة السودان، كما يبدو أنها لم تحمل تحذيرات الرئيس البشير محمل الجد، فيما يختص بمطالبتها بضرورة طرد الحركات المتمردة قبل نهاية العام، أن يقلب السودان صفحة التعامل معها، فرغم التحذيرات الأمريكية لم تزل جوبا تختبر صبر حكومة السودان على دعمها وإيوائها للتمرد، في ظل المتغيرات السياسية والأمنية داخلياً، والتي تحتم على الحركات تحكيم صوت العقل ووضع السلاح، استجابة للحلول السلمية التي تفضي إلى الانتقال السلمي للسلطة والثروة، ولكن في ظل دعم جوبا للحركات يبقى السؤال: هل ستدفع جوبا ثمن إضاعتها للفرصة الذهبية بتحقيق سلام شامل مع السودان؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق