الثلاثاء، 26 يونيو 2018

مصر تراقب بتفاؤل حذر التقارب الإثيوبي الإريتري

يصل وفد من إريتريا إلى أديس أبابا هذا الأسبوع بعد أن أبدى رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد استعدادا لتسوية واحدة من أعقد القضايا في أفريقيا.
وخاضت إريتريا حربا على الحدود مع جارتها الكبرى من عام 1998 إلى سنة 2000 سقط جراءها نحو 70 ألف قتيل. واستمرت الخلافات بين الجانبين حول الحدود التي لا تزال قوات كثيفة ترابط فيها على الجانبين خاصة مدينة بادمي. تعهد رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، الذي وضع إطارا عاما لسلسلة إصلاحات جذرية منذ توليه السلطة في أبريل، بشكل مفاجئ هذا الشهر بمراعاة كل شروط اتفاق سلام أنهى الحرب بين البلدين.
ومن المتوقع أن يساهم التقارب بين أديس أبابا وأسمرة وتبادل رسائل السلام، في تهدئة الأوضاع في المنطقة، وطي صفحة قاتمة من التجاذبات بينهما، ويمنح فرصة لزيادة أطر التعاون الإقليمي، من منطلق البناء على القواسم المشتركة.
ولعبت الإمارات دورا محوريا في الدفع بالعلاقات الإريترية الإثيوبية نحو المصالحة، واعتبر مراقبون أن ما يحصل على خط أسمرة أديس أبابا هو إحدى ثمرات الزيارة التي قام بها ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى العاصمة الإثيوبية، والتي فتح من خلالها علاقة جديدة بين دول الخليج ودول القرن الأفريقي تقوم على بناء علاقات اقتصادية وتجارية متينة من بوابة الاستثمارات والمساعدات كأرضية ضرورية لتوسيع قاعدة الأصدقاء. وقالت المصادر إن هناك رؤية مشتركة بين الإمارات ومصر والسعودية، تقوم على سد الثغرات أمام الدول التي تعبث بالأمن القومي العربي، وتستغل مساحات سياسية فارغة للنفاذ منها.
وتأتي تفاهمات الإمارات والسعودية ومصر، ضمن رغبة في قطع الطريق على إيران وتركيا وقطر، وهي دول تعمل منذ فترة على تطوير علاقاتها مع دول القرن الأفريقي، وتحاول اختراقها وتوظيف ذلك كأوراق ضغط على الخصوم في المنطقة.
واستبعد عطية عيسوي، الخبير في الشؤون الأفريقية، في تصريحات لـ”العرب” أن تتخلى إثيوبيا تماما عن الاستثمارات القطرية، في الوقت الراهن على الأقل، لحاجتها إلى التوجه بشكل أكبر نحو عملية تنمية شاملة داخل البلاد، من دون أن يكون للدوحة تأثير قوي على موقف أديس أبابا من قضايا المنطقة.
ويفتح ترسيخ السلام بين إثيوبيا وإريتريا الباب أمام التفكير في إيجاد صيغة جديدة للتعاون العربي- الأفريقي، تقتصر على الدول الراغبة في الاستقرار، وتتحاشى أخطاء التجربة الفضفاضة السابقة التي ظهرت منتصف السبعينات من القرن الماضي، ولم تحقق تقدما، لصالح المجموعة العربية أو الأفريقية، لأنها اقتصرت على الجانب الدعائي. وتسعى مصر والإمارات والسعودية، إلى استغلال الانفتاح الذي يبديه آبي أحمد لرسم معالم المرحلة المقبلة، وتحجيم الدول المثيرة للقلق.
وتأمل القاهرة في أن تنعكس الانفراجة في المنطقة إيجابا على أزمة سد النهضة بما يحافظ على مصالح مصر المائية، ويوقف أية هواجس إثيوبية حيالها، بذريعة التدخل في شؤونها الداخلية، والكف عن النغمة التي ترددت من قبل حول دعم مصر لإريتريا ضد كل من إثيوبيا والسودان، كوسيلة للضغط عليهما في ملف سد النهضة. وأكد عطية عيسوي لـ “العرب” أن إنهاء الخلافات بالارتكاز على وجود ملفات داخلية تحتاج إلى حسم سيكون مفيدا في وقف فرضية “كلما اقتربت إريتريا من مصر تباعدت الأولى عن إثيوبيا، ما ينهي تشدد الأخيرة في ملف سد النهضة”.
وتفرز التحولات السياسية والأمنية التي تشهدها إثيوبيا، على المستويين الداخلي والخارجي، اهتماما متناميا بترتيب أوضاع السلطة الحاكمة في البلاد كأولوية قصوى.
ويؤكد البعض من المراقبين أن تبادل الرسائل والمحادثات المباشرة (المنتظرة) بين إثيوبيا وإريتريا يرتبط أساسا بوضع داخلي في الأولى يتمثل في إعادة صياغة التوازنات لتخفيف قبضة اثنية “التيغراي” على هيكل نظام الحكم الرئيسي، وهو ما يتوافق مع السياسة الإريترية تجاه هذه الاثنية التي ينتمي إليها أيضا الرئيس أسياسي أفورقي، ويساهم في دعم تحركات آبي أحمد للدفع بقبائل الأمهرا والأورمو لمنصبي رئيس الأركان ورئيس الاستخبارات.
ولفت متابعون إلى عدم التعويل على حصد القاهرة نتائج كبيرة من وراء هذا التقارب في ملف سد النهضة، لأن مصر لم تستغل جيدا تقاربها مع إريتريا في الضغط فعليا على إثيوبيا أو السودان، وكل ما حدث كان في نطاق الدعاية ومعركة كسر العظم المستترة بين الدول الأربع.
ولا ينفي ذلك وجود رغبة مصرية، تقول إن تسارع الأحداث السياسية والأمنية في إثيوبيا، يؤدي إلى إجبار قيادتها على إبداء مرونة لافتة تجاه أزمة سد النهضة، قد تتزايد حال اتساع نطاق التعاون العربي- الأفريقي بصيغة جديدة.
وتخشى دوائر إقليمية انقلاب الرئيس أسياسي أفورقي على نداء السلام مع أديس أبابا، لكن مراقبين قالوا لـ”العرب” “الرجل تغير كثيرا عما كان عليه من قبل، وأسياسي اليوم غير أسياسي الأمس، وتلاشت قدرته على توظيف التناقضات الإقليمية، التي جعلته رقما حيويا في المنطقة”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق