الخميس، 28 يونيو 2018

(إعادة فتح البلف)

(الخرطوم وجوبا يبحثان عودة بدء الإنتاج من آبار النفط بجنوب السودان)، يبدو العنوان مألوفا من تكراره في أكثر من مناسبة، فالجانب السوداني الذي توجه إلى جوبا في سفريات متفرقة يتداول مع رصفائه بالجنوب في ذات القضية منذ سنوات، لكن أوضاع البلدين الاقتصادية في الوقت الحالي تجعل من المباحثات التي بدأت مساء أمس بالخرطوم بعد وصول وفد من وزارة الطاقة بجنوب السودان برئاسة وزير الطاقة إيزاكيل جاتكوث، ذات أهمية قصوى، حيث تهدف لإصلاح ما تسببت فيه الحرب والنزاعات القبلية بالجنوب والتي أوقفت إنتاج عدد من الحقول.
ورغم أن البعض ينظر إلى أن هذه الجولة تبدو اعتيادية مثل سابقاتها، غير أن عودة الإنتاج النفطي بجنوب السودان تخدم البلدين باعتبار أن السودان يتحصل من جوبا على رسوم لنقل وتصدير النفط تخفف وطأة ندرة العملات الأجنبية، فيما يُعد النفط هو المورد الأول لخزانة دولة جنوب السودان.
المباحثات بين قطاعي النفط بالبلدين جاءت متزامنة مع المفاوضات بين حكومة جنوب السودان والفصائل الجنوبية التي تستضيفها الخرطوم منذ أمس الاثنين بتيسير من السودان وتحت رعاية منظمة الإيقاد. وقد عقد الرئيسان جلسة مباحثات مشتركة أمس بالقصر الجمهوري تتناول عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك بجانب سبل إحياء ودعم عملية السلام في دولة جنوب السودان والتي ستعقد تحت إشراف رئيس الجمهورية المشير عمر البشير وضمن جهود منظمة الإيقاد لتحقيق السلام في دولة جنوب السودان، استنادا على توصيات القمة الاستثنائية لإيقاد التي عقدت بأديس أبابا، اثيوبيا مؤخرا.
و”إيقاد” هي منظمة حكومية أفريقية شبه إقليمية، تأسست عام 1996، تتخذ من جيبوتي مقراً لها، وتضم كلًا من: إثيوبيا، كينيا، أوغندا، الصومال، جيبوتي، أرتريا، السودان، جنوب السودان.
وزير الطاقة بدولة جنوب السودان والذي وصل نهار أمس إلى الخرطوم، استقبله نظيره السوداني، أزهري عبد القادر الذي قال إن أجندة المباحثات التي تعنى بإعادة الإنتاج النفطي من حقول (الوحدة) و(سارجاث) وزيادة الإنتاج من الحقول المنتجة حاليا في (فلج) تشمل أيضا النقاش حول التفاصيل الفنية المتعلقة ببدء الإنتاج مجددا وجدولتها في خطة عمل سريعة لإدخال حقول (سارجاث) و(التور) و(النار) ومن بعدها حقول (الوحدة) وتوقع عبد القادر ذهاب الفرق الفنية إلى المواقع في أقرب فرصة ممكنة بعد توثيق ما يتفق عليه وتحويله إلى خطة عملية بمواقيت زمنية محددة وأفاد أن شركتي (B OPCO2) من جانب السودان و(جيبوك) من جنوب السودان شرعتا بالفعل في وضع الترتيبات اللوجستية للإمداد الفني لحقل (سارجاث) وتهيئة البيئة للفرق الفنية التي تأتي من جنوب السودان وإمكانية توصيل الكهرباء لبدء الإنتاج النفطي.
وأبدى الوزير عبد القادر ثقة في نجاح المباحثات الحالية التي قال إنها جاءت امتدادا لزيارة سابقة في الخامس من يونيو ضمن وفد السودان الذي التقى سلفا كير ميارديت في جوبا ونقل إليه مبادرة الرئيس عمر البشير لإنفاذ مشروع السلام بين الفرقاء بدولة الجنوب وتابع: “السلام يحتاج إلى دعم مادي يتمثل في استخراج النفط لمصلحة البلدين”.
من جهته قال وزير الطاقة بدولة الجنوب إن المباحثات حول النفط تمثل تنفيذا لتوجيهات رئاستي البلدين لاستئناف الإنتاج النفطي في أقرب وقت ممكن. وشدد على أهمية التعاون لتحقيق المصالح في إنتاج النفط من حقول الجنوب وتصديره عبر ميناء بورتسودان كما أكد استتباب الأمن في مناطق البترول ما يمكن من تهيئة بيئة العمل، كاشفا اعتزامهم تسجيل زيارة ميدانية لحقول هجليج والوقوف على جاهزية المنشآت النفطية فيها.
خمس سنوات هي عمر الحرب الأهلية بين الرئيس سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار، التي أدت إلى توقف الإنتاج في عدد كبير من الحقول النفطية في جنوب السودان، الذي بات ينتج ما لا يزيد عن 150 ألف برميل، بدلاً عن 350 ألف برميل في 2011. إلا أن جوبا وفي العام 2016 طلبت رسميا من الخرطوم، مساعدات فنية وتقنية لإعادة تشغيل حقول نفط (الوحدة) التي توقفت عن الإنتاج، بعد أن تأثرت بالأحداث الأمنية التي اندلعت هناك إثر الخلاف بين سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار.
تعقيدات كثيرة تمسك بتلابيب ملف النفط بين الخرطوم وجوبا الذي اعترته عقبات وتحديات حتى في أيام وحدة البلدين وعقب انفصالهما وكان النفط العامل الأول في إشعال الخلاف بين الدولتين وأدى الأمر إلى إغلاق الآبار من الجانبين في عدد من المناسبات إلا أنه خلال الفترة الأخيرة حرص الجانبان على التوافق على عودة التعاون بينهما في المجال بهدف المصلحة العامة ولم تحسم هذه التعقيدات إلا في العام 2013 بعد أن وقع والسودان وجنوب السودان تسع اتفاقيات في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا من بينها اتفاقية النفط والمسائل الاقتصادية تتضمن الترتيبات المالية الانتقالية التي تتضمن رسوم عبور وتصدير نفط جنوب السودان عبر الأراضي السودانية، فضلا على التجارة الحدودية بين البلدين.
وانفصل جنوب السودان في العام 2011 عن السودان مما أفقده ثلاثة أرباع موارده النفطية بما يساوي 80 % من احتياطيات النقد الأجنبي و50 % من الإيرادات العامة.
وفي أغسطس الماضي وضمن اجتماعات اللجنة المشتركة بين السودان ودولة جنوب السودان التي هدفت إلى تطوير وترقية العلاقات الاقتصادية بين البلدين في مجالات البترول والتجارة. حينها أكد مستشار رئيس حكومة جنوب السودان رئيس الوفد؛ توت قلواك مالين، استعداد حكومة جنوب السودان للتوصل إلى اتفاق في كافة القضايا المعلقة في المجال الاقتصادي لمصلحة شعبي البلدين.
المحلل الاقتصادي د. محمد الناير وصف خطوة استئناف التعاون النفطى بين دولة السودان ودولة جنوب السودان بأنها ممتازة وفاتحة خير على اقتصاديات البلدين وأضاف الناير أن هذه الخطوة، ولكى تصيب النجاح تحتاج فقط لمزيد من الاستقرار الأمني في دولة جنوب السودان، موضحا أن اتفاقية التعاون النفطي بين الدولتين موجودة سلفا ومتفق عليها، مبينا أن الاتفاقية تكفل لدولة السودان الحصول على 25 دولارا في المتوسط عن البرميل الذي يتم تصديره عبر خطوط الأنابيب السودانية الممتدة من دولة الجنوب إلى ميناء بشائر بولاية البحر الأحمر، مضيفا أن هذا المبلغ يشمل رسوم العبور والرسوم السيادية وبعض التعويضات، موضحا أن الاتفاقية تحتاج فقط إلى لمسات أخيرة تتمثل في دعم الكوادر السودانية المؤهلة والقادرة الموجودة في شمال السودان للكوادر الجنوبية لإعادة تشغيل الآبار والحقول المتوقفة،لافتا إلى أن معيار نجاح هذه الاتفاقية يكمن في التعاون المشترك بين البلدين لدعم هذه الاتفاقية. وزاد قائلا: صحيح قد لا تكون هنالك تكنولوجيا حديثة ومتطورة تعمل على زيادة الإنتاج وهذه نفس الإشكالية التي عانى منها أيضا البترول المنتج فى الشمال حيث تراجعت إنتاجيته بعد الانفصال، مستدركا: يمكن لهذه الكوادر أن تعيد تشغيل هذه الآبار كما كانت في السابق، لافتا إلى أن حكومة جنوب السودان كانت تضخ حوالى 320 ألف برميل يوميا قبل الانفصال، مضيفا أنه إذا عادت هذه الاتفاقية ولو بإنتاج أقل من هذه الكمية فسيسهم ذلك في توفير النقد الأجنبي للدولتين، معربا عن أمله في أن تكلل هذه الخطوة بالنجاح وأن يعمل قطاعا النفط في البلدين في ظل ظروف أمنية مستقرة خاصة في دولة جنوب السودان حتى يعود إسهام هذا القطاع بمعدلات عالية من النقد الأجنبى في دعم اقتصاديات البلدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق