الأربعاء، 9 مايو 2018

“تعثر جديد”

اجتمعت اللجنة الفنية الثلاثية لمصر والسودان وإثيوبيا، ووزراء الري بالدول الثلاث (السبت) الماضي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وذلك لوضع صياغة مشتركة للملاحظات الخاصة بكل دولة على التقرير الاستهلالي المقدم من المكاتب الاستشارية، وتقديم هذه الملاحظات مجتمعة إلى المكتب الاستشارى لمحاولة سرعة تضمينها في تعديلات جديدة على التقرير الاستهلالي، يكون من شأنها التوافق بين الدول الثلاث، من أجل الدفع بمسار الدراسات الفنية لاختبار تأثيرات السد على الأمن المائي المصري.
مقترح سوداني:
وقدم السودان مقترحا إلى إثيوبيا ومصر لدفع اجتماع وزراء الخارجية والموارد المائية ورؤساء الأمن والمخابرات الثاني بأديس أبابا منتصف مايو الجاري إلى الأمام، وجاء مقترح السودان في ختام اجتماع اللجنة حيث قدمت الدول الثلاث ملاحظاتها واستفساراتها حول تقرير الاستشاري الاستهلالي، ودعا السودان من خلال اقتراحه إلى اجتماع تحضيري للجنة الفنية الثلاثية بحضور وزراء الموارد المائية، يسبق الاجتماع الوزاري الموسع، حتى يتم تيسير الوصول لتفاهمات على خطوات إكمال الدراسات وتنفيذ توجيهات قادة الدول الثلاث، بتقديم حل غير تقليدي لملف سد النهضة الإثيوبي، وأكد وزراء الموارد المائية للدول الثلاث على استمرار روح التعاون بينهم ورغبتهم في إكمال الدراسات التي أوصت بها لجنة الخبراء العالميين، والاستجابة لشواغل كل طرف، دون الإضرار بأي دولة.
تعثر الجولة:
من جانبه قال سامح شكري وزير الخارجية المصري في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير خارجية أوغندا سام توكيسا أمس (الاثنين)، إن الأمور متعثرة بسبب الموقف الإثيوبي والسوداني من تقرير المكتب الاستشاري حول وضع الدراسات من سد النهضة، مؤكدا أن جولة المباحثات في أديس أبابا تناولت عددا من الأمور حول التقرير الاستهلالي، موضحا أن مصر وضعت فكرة وساطة البنك الدولي تأكيدا بأن ليس لها مصلحة في إعاقة المسار، مؤكدا أن موضوع سد النهضة علمي وغير قابل للتأويل السياسي، داعيا لضرورة قبول ما تطرحه الوسائل العلمية بعيدا عن أي تحيز، موضحا أنه بالرغم من تعثر الجولة الأخيرة في أديس أبابا برغم تجاوز المدة المحددة، موضحا أن التقرير الاستهلالي الذي يصدر عن المكتب الاستشاري تصدره شركة عالمية كانت محل ثقة الدول الثلاث، وقال إنه سيعقد اجتماع تساعي في إثيوبيا مع حرص مصر على التعاون في هذا الجانب مع التقدير الكامل للحقوق الإثيوبية، مشيرا إلى أن اتفاق المبادئ الذي وقع في الخرطوم مارس 2015 وضع أسسا للاتفاق، مؤكدا أن القانون الدولي يرفض تضرر أي دول من بناء سدود على ضفاف النيل، مبينا أن مصر طرحت مبادرة حوض النيل لعودة مصر في هذا الإطار عبر نظام عمل يحقق مصالح دول القارة، وأن مصر تتطلع للحل الملائم الذي تستطيع فيه تفعيل الأطر القانونية يضمن حقوق كافة الدول.
يذكر أن التقرير الاستهلالي للاستشاري الفرنسي يحدد خطوات الاستشاري لإكمال دراسة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لسد النهضة على دولتي السودان ومصر، ودراسة خيارات وتشغيل بحيرة السد.
ومن المنتظر أن تساهم دراسات المكتب الاستشاري في وضع سيناريوهات تتعلق بالنظام الهيدروليكى لحركة المياه بالنيل الشرقي، لوضع المدة المناسبة لفترة الملء الأول وقواعد التشغيل السنوي، ووفقاً لحالات الفيضان المختلفة أو حدوث موجات متوقعة للجفاف.
تمسك إثيوبيا:
وأرجع عدد من خبراء المياه في مصر عدم الوصول إلى حلول محددة في هذه الجولة أيضا إلى تعنت الجانب الإثيوبي والذي اعتبروه مجرد تضييع للوقت والدوران في حلقة مفرغة.
وقال هاني رسلان الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إنه منذ القمة الثلاثية نهاية يناير الماضي بين الرئيسين السيسي والبشير، ورئيس وزراء إثيوبيا السابق ماريام ديسالين، والتفاصيل المتعلقة بالمفاوضات حول سد النهضة محاطة بالكتمان والغموض، موضحاً أن إثيوبيا قفزت على مسار الدراسات الفنية للسد، وقررت ملء السد قبل انتهائها، وأضاف رسلان رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بالأهرام الاستراتيجي أن اللجنة التساعية التي اجتمعت منذ شهر في الخرطوم كانت مكلفة بحل الأزمة، ومعنى عودة اللجنة الفنية للاجتماع مرة أخرى أن جديداً قد طرأ على الأزمة، لافتاً إلى أن وزراء الري سيناقش القسم الفني في المفاوضات الخاص بالدراسات حول السد، دون التطرق للقرار السياسي لأنه مجرد جزء منه، ولا يملك القرار بشكل كامل. وأضاف الدكتور أحمد فوزي دياب، الخبير المائي بالأمم المتحدة وأستاذ الموارد المائية بمعهد بحوث الصحراء، أن الجانب الإثيوبي يتعنت ويرفض التوافق على توقيتات ملء السد، والتصميم على الملء دون استكمال الدراسات، ويجب على مصر في هذه الحالة أن تتحرك للحفاظ على الحقوق التاريخية في مياه النيل.
البنك الدولي:
من جانبها، قالت آية أمان الخبيرة في المياه ودول حوض النيل، لـ(اليوم التالي)، إن مصر متمسكة بمرجعية خط الأساس والوضع في الاعتبار الوضع الحالي في النيل الشرقي والاستخدامات الحالية لمصر من مياه النيل، وكذلك تأثير السد على تملح التربة في الدلتا، موضحة أن مصر يعنيها بجانب تحديد سنوات الملء حيثيات الملء نفسه، فهناك سنوات بها فيضان وأخرى لا، وذلك يحتاج لحسابات مختلفة أيضا، موضحة أن إثيوبيا تتحدث فقط عن منافع السد ومصالحه واطار المنفعة المشتركة، لافتة إلى أن إثيوبيا بذلك تريد تفريغ الدراسات الفنية من مضمونها حتى لا تظهر الدراسات أي قلق، وقالت إنه بذلك لا توجد نقطة وسط بين مصر وإثيوبيا، وإن السودان إلى الآن لم يستطع تقريب وجهات النظر بينهما، ولذلك يتحتم وجود طرف محايد مثل البنك الدولي، مؤكدة أن فكرة البنك الدولي تبدو وكأنها الحل الوحيد الآن للفصل في هذه المشكلة، مضيفة أن مصر لن تتنازل واثيوبيا من الواضح أيضا أنها لن تتنازل، مشيرة إلى أن أديس أبابا ترفض القبول بأي التزامات ولذلك تضييع الوقت أصبح سمة المفاوضات، وتوقعت أمان أن الاجتماع التساعي المقبل بأديس أبابا لن يصل إلى شيء إذا استند على هذه المعطيات الموجودة.
خط الأساس:
وقالت مصادر مطلعة إن الملاحظات التي تبديها مصر لا زالت تستند إلى الموقف المصري الذي يشترط أن تكون مرجعية الإسناد الخاص بالدراسات متوافقة تماماً لما نص عليه العقد الموقع مع المكاتب الاستشارية، والذي ينص على أن تكون مرجعية الاسناد وخط الأساس الذي تنطلق على أساسه فرضيات الدراسة هو الوضع المائي الحالي في النيل الشرقي، متضمناً السد العالي والاستخدامات الحالية لمصر من مياه النيل، وليس العودة إلى اتفاقية 1959 والحصص المائية التي تنص عليها، وأوضحت المصادر أن رؤية مصر من الدراسات تستهدف محاولة الخروج بنتائج حيادية ودقيقة يمكن الاعتماد عليها لإثبات تأثيرات السد على الأمن المائي المصري في مراحل التخزين والتشغيل، وما يمكن أن يترتب عليه من آثار على ملوحة التربة في الدلتا، وأي تأثيرات أخرى على كميات المياه ونوعيتها أيضاً، مؤكدة أن ما يشغل مصر الآن ليس تحديد سنوات الملء والاتفاق على عدد محدد من السنوات مع إثيوبيا، كما يحاول الجانب الإثيوبي الوصول إليه، لكن الاتفاق على حيثية ومعايير محددة يتم الملء وفقاً لها، بوضع كافة الاحتمالات المتوقعة لكميات المياه والفيضان والأمطار خلال فترة ملء خزان السد بما لا يؤثر على استخدامات مصر من المياه ويقلل من معدلات الضرر المتوقع.
تحركات مصرية:
من جانبها بدأت القاهرة في إطار تحركات إقليمية ودولية الحديث عن سد النهضة، وذلك من خلال جولات وزير الخارجية المصري سامح شكري سواء الأفريقية أو الدولية بالحديث عن السد وعن ضرورة الالتزام بإعلان المبادئ، وعلى الجانب الداخلي تعطي مصر رسائل داخلية لمواطنيها هذه الأيام لإشراكهم في الأزمة، وذلك لإيجاد بدايل أخرى من نقص المياه في السنوات المقبلة وجعل الرأي العام المصري مشاركاً في الحل بعدم معارضة الحكومة في تقليل المساحات المزروعة للأرز والتي تستهلك كميات كثيرة من المياه، وكذلك نشر حملات على نطاق واسع لترشيد المياه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق