الاثنين، 5 يونيو 2017

الطالب والمطلوب في العلاقات السودانية المصري!

على الرغم من إن زيارة وزير الخارجية السوداني البروفسير ابراهيم غندور إلى العامة المصرية القاهرة مؤخراً والتقائه بنظيره سامح شكري وإتفاق البلدين على الحرص على معالجة القضايا التى بات محل توتر في علاقتيهما؛ إلا ان الجانب المصري يظل
(مديناً) للجانب السوداني بعدة مطلوبات أساسية أولها:
 ضرورة إقرار الجانب المصري بخطأ وخطل التدخل في الشأن السوداني سواء بما هو معروف من استضافة القاهرة لمعارضين سودانيين ، أو بما بدا مؤخراً من دعم حركات سودانية مسلحة بآليات مصرية، هذا الإقرار الصريح مهم للغاية لترسيخ سياسة حسن الجوار وبناء الثقة، إذ انه وحتى وان كانت القاهرة ترى ان السودان يرسم لنفسه سياسة مغايرة لا تتفق بالضرورة مع الرؤية المصرية، -وهي عقدة تاريخية مصرية معروفة- فإن من المهم ان يظل عنصر الثقة قائماً، ولا تحتاج من القاهرة تذكيرها بتجارب أنظمة مجاورة للسودان، حاولت إشعال الحروب الأهلية وحاول بعضها إضعاف و إسقاط النظام القائم، ولكنها في خاتمة المطاف أدركت أن الأمر لا يمضي على هذه الشاكلة فتراجعت وراجعت!
ثانياً، ضرورة وضع ملف (احتلال الأرض) على طاولة التفاوض، إذ إن القانون الدولي لا يقر مطلقاً احتلال ارض الغير بالقوة و سياسة الأمر الواقع. مصر عانت الأمرين من هذا الاحتلال في حروب 1956 و 1967 مع إسرائيل، وليس من المقبول وقد قدم لها السودان الدعم والمؤازرة في تلك المحنة التاريخية، ان تعود لتكافئ جارها وعمقها الاستراتيجي باحتلال أرضه!
ثالثاً، السودان كدولة وطوال ما يقارب الـ30 عاماً اختط لنفسه سياسة خارجية واضحة ترتبط بالضرورة بمصالحه ومصالح جيرانه وأشقائه، وبالطبع لا يمكن لأحد إجبار السودان على السير خلف عجلات قيادة أخرى مغمض العينين.
رابعاً، لو أن السودان -فرضاً- كان هو الذي يضع ويحتل أرضاً مصرية لما رضيت القاهرة بذلك، فقد رأينا كيف سعت القاهرة (لفرملة) رفع العقوبات الامريكية على السودان (وهو أمر موثق) لمجرد الزعم انه يدعم الارهاب! فما بالك لو كان السودان يحتل أرضاً مصرية؟ من الواضح ان الجانب المصري يعوزه المنطق السياسي السديد، فهو يحتل ارض سودانية، ثم يسارع بدمغ السودان برعاية الارهاب ويطالب بعدم رفع العقوبات عنه.
كيف يمكن لعاقل ن يصدق أن هذا بدلاً عربياً أفريقياً ظل السودان يشكل عمقه الاستراتيجي؟ ولا شك أن التعقيد الذي شاب العلاقات السودانية المصرية في الآونة الأخيرة سببه الرئيسي اختلال المفهوم السياسي لدى الجانب المصري، فهو يحتج للسودان ولا غنى له عنه، وفي الوقت نفسه يتخذ تدابير ذات طابع عدواني لا تتسق مع مقتضيات حسن الجوار!
هذا التعقيد في واقع الأمر يضعف كثيراً جدا إمكانيات مصر في أداء دورها الريادي فى المنطقة، فهي تقلل دون داعٍ من وزنها الاستراتيجي وتتراجع بوتيرة حادة جداً إلى الصفوف الخلفية.
زيارة الوزير السوداني قللت على نحو واضح من حدة النزيف، ولكنها لم تضمد الجرح تماماً، ما يتطلب أن تمعن القاهرة النظر في رؤيتها السياسية، وأن تستصحب حجم المتغيرات في المنطقة، وأن تنظر إلى المستقبل بعين واعية إذ أن الوزير غندور كان بليغاً جداً حين قال إن بالإمكان معالجة مشاكل الحكومات، ولكن من الصعب معالجة المشكلة إذا اتخذت طابعاً شعبياً! والرجل بلا أدنى شك محق فيما قال، إذ لا تزال الأزمة مقدور عليها على الطاولة الرسمية، اذا أرادت القاهرة حلها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق