الخميس، 1 يونيو 2017

التوترات بين السودان ومصر ..تعطل تحليق طائرة «غندور» إلي القاهرة

أعلن وزير الخارجية البروفسير ابراهيم غندور ، تأجيل زيارته المزمعة للعاصمة المصرية القاهرة اليوم الاربعاء ، بخصوص الاجتماع التشاوري السياسي بين السودان ومصر ، وقال في تصريحات صحفية مقتضبة امس الاول: ابلغنا الاشقاء في مصر ان لدينا انشغالات داخلية ستحول دون تنفيذ الزيارة في موعدها المحدد اليوم 13 مايو الجاري».
توقيت زيارة وزير الخارجية المزمعة ،جاء في واحدة من اكثر حالات توتر في العلاقات بين القاهرة والخرطوم منذ مجئ الانقاذ في يونيو 1989 ،رغم تأكيدات مراقبين بان الأزمة بين الدولتين قديمة منذ بدايات الانقاذ واكتشاف القيادة المصرية خلفية قياداتها الاسلامية ، وتفنيد مقولة نسبت للرئيس المصري الاسبق حسني مبارك ايام مجئ الانقاذ «دول ولادنا».
المدرعات المصرية
رئيس الجمهورية المشير عمر البشير ولاول مرة اتهم مصر صراحة ، بدعم الحركات المسلحة في هجومها الاخير علي ولايتين بدارفور يومي السبت والاحد قبل الماضيين ،وكشف في حديثه في احتفال لتكريم متقاعدي القوات المسلحة بوزارة الدفاع بالخرطوم، صباح الثلاثاء الماضي ، «إن قوات الجيش والدعم السريع غنمت مدرعات ومركبات مصرية استخدمها متمردو دارفور في هجومهم «.
و قال البشير ان مصر امتنعت عن دعم السودان في قتاله الطويل ضد التمرد في جنوب السودان وفي دارفور،وان مصر عوضا عن ذلك كانت تبيعهم الذخائر التالفة رغم مساهمة السودان في الحروب التي خاضتها مصر ضد إسرائيل منذ عام 1967 وحتي حرب أكتوبر 1973م.
البشير مضي «ان القوات المتمردة دخلت في إطار مؤامرة كبيرة جدا حيث أنها تحركت بمحورين، محور من جنوب السودان بمتحرك قوامه 64 سيارة استطاعت القوات المسلحة تدميره والاستيلاء عليه، ومحور من شمال دارفور واستولت القوات المسلحة علي سيارات مدرعة».
الحكومة ظلت تتهم حركات دارفور بالقتال ضمن قوات خليفة حفتر قائد عملية الكرامة في ليبيا والذي يحظي بدعم مصر، لكنها هذه المرة ربطت بين الهجوم علي ولايتي دارفور ومحاولات اعاقة بعض الدول رفع العقوبات الامريكية عن السودان والمزمعة يونيو المقبل .
اتهامات رئيس الجمهورية ومن قبله مفوض رئاسة الجمهورية للاتصال الدبلوماسي والتفاوضي لملف دارفور، أمين حسن عمر، الذي ألمح من خلال حديثه في مؤتمر صحفي، الإثنين، بدعم جمهورية مصر العربية للهجوم الأخير للمتمردين علي ولايتي شمال وشرق دارفور، وجدت استنكارا واسعا من قبل وسائل الاعلام المصرية الخاصة والرسمية خاصة بعد تصريحات مقابلة اطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ردا علي اتهامات البشير ، نفي فيها تورطهم في الحرب ضد الخرطوم بشكل عام لكنه لم يعلق علي تصريحات البشير وتأكيداته بضبطهم لمدرعات مصرية شاركت في الهجوم مع الحركات المتمردة .
ويبدو ان الخرطوم من تأجيلها لزيارة وزير الخارجية غندور تبحث عن اجابات دقيقة بشأن وجود مدرعات «مصر» في هجوم المتمردين علي دارفور ،وتفاصيل وصولها الي ايدي المتمردين وهو الامر الذي عجزت عن تفسيره وسائل الاعلام التي ظلت تكيل الاتهامات للحكومة الخرطوم التي ربما ايضا تبحث عن اجابات واضحة حول ملف حلايب وشلاتين واستمرار الرفض المصري اللجوء للتحكيم لطي الملف.
استاذ العلوم السياسية البروفسير حسن الساعوري ، ربط بين تأجيل زيارة غندور وحدة التوتر في العلاقة مع مصر ،وقال في حديثه لـ «الصحافة» امس ان الاجواء حالية غير مؤاتيه لزيارة غندور لمصر ،مشيرا الي هجوم الاعلام المصري علي السودان .
الساعوري اشار الي ان الطائرات المصرية مازالت تقصف في مناطق ليبية بالقرب من الحدود السودانية ،مذكرا بتصريحات الرئيس السيسي بضرب الارهاب وقال : كانما اصطنع حادثة «المنيا » لتكون ذريعة للتدخل العسكري في ليبيا ودعم حفتر .
وتوقع الساعوري ان يلجأ السودان للامم المتحدة في مشاركة مصر في الهجوم علي ولايات دارفور ،كما توقع استمرار التصعيد المصري.
«القاهرة» والمعارضة السودانية
رئيس الجمهورية المشير عمر البشير سبق وان اتهم في مقابلة سابقة مع فضائية -العربية الإخبارية-، المخابرات المصرية بدعم المعارضة السودانية، لكنه عاد وامتدح علاقته بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي واصافا اياها بالمتميزة،وقال : السيسي رجل صادق في علاقاته، ولكن المخابرات المصرية تدعم «معارضين سودانيين»، وأضاف -عندما نطرح عليهم الأمر يحاولون الإنكار، لكننا نعطيهم الأسماء والعناوين، ونحن لن نرد بالمثل وندعم المعارضة المصرية.
وفي السياق ، يؤكد اتهامات الخرطوم للحكومة المصرية بدعم الحركات المسلحة ، لجوء قوي المعارضة السودانية بشقيها السياسي والمسلح الي مصر منذ مجئ الانقاذ والي الان .
ابرز اتفاق تم بين الحكومة والقوي السياسية المعارضة وهو التجمع الوطني الديمقراطي بزعامة مولانا محمد عثمان الميرغني اطلق عليه اتفاق القاهرة في 18 يونيو 2005 بالعاصمة المصرية القاهرة ،نسبة لتفضيل مصر لان تكون الملاذ الآمن لقيادات المعارضة بشقيها المسلح والسياسي .
ذاكرة التاريخ تسجل زيارة مشهودة لزعيم حركة العدل والمساواة خليل ابراهيم للقاهرة منتصف مايو 2010 ،اثارت حنق الخرطوم والتي طالبت بدورها الاولي بابعاد الرجل من اراضيها .
خليل ابراهيم في حديث له «الشرق الأوسط»، من مصر ،قال إن قدومه إلي القاهرة جاء بطلب منه، ليطلب مساعدة مصر لمنبر الدوحة ولأن الإخوة في قطر يجاملون الحكومة السودانية ويسايرونها،واستطرد : لكننا لم نطرح مصر كبديل لقطر، ولكننا ندرك تماما أن مصر تستطيع أن تساهم بخبرتها ومعرفتها الكبيرة بالملفات السودانية، خصوصا أنها تتمتع بعلاقات جيدة مع كل الأطراف في السودان.
السلطات المصرية لم تمنع علي محمود حسنين رئيس ما يعرف بالجبهة الوطنية العريضة «السودانية» من اقامة مؤتمراته ونشاطه السياسي الذي يهدف الي اسقاط نظام الخرطوم .
علاقات المخابرات المصرية مع عدد من قيادات الحركات المتمردة علي الخرطوم اشار اليها الناطق باسم حركة العدل والمساواة جناح بخيت دبجو ، أحمد ادم عبدالمجيد في حوار نشرته «الصحافة» العام الماضي .
مصر و «الشعبية»
الاتهامات ظلت تطارد الحكومة المصرية بتقديم الدعم للحركة الشعبية الجنوبية ضد حكومة شمال السودان وانفصال جنوب السودان في التاسع من يوليو 2009.
الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان باقان أموم اوائل أغسطس 2010 عبر عن ذلك صراحة بقوله إن مصر ستكون أول دولة تعترف بدولة جنوب السودان إذا كانت تلك نتيجة استفتاء تقرير المصير المقرر في يناير المقبل،مؤكدا في تصريحات صحفية علي متن أول طائرة تابعة لشركة مصر للطيران إلي مدينة جوبا، عاصمة جنوب السودان: «إذا جري الاستفتاء بصورة حرة ونزيهة ستكون مصر أول دولة تعترف بنتائجه، لأن مصر تحترم حق أبناء جنوب السودان في تقرير مصيرهم،مشيدا بالعلاقة بين القاهرة وجوبا بقوله إن مصر من أكثر الدول دعما للتنمية في الجنوب».
في مارس 2014 تناقلت وسائل اعلام توقيع الحكومة المصرية علي اتفاق تعاون ثنائي مع جنوب السودان في أعقاب زيارة وفد من جنوب السودان بقيادة وزير الدفاع كول مانيانج، رافقه خلالها مسئولون من الأمن القومي والمخابرات العسكرية.
وأكد موقع صحيفة -Northafricapost- المغربية، الناطقة بالإنجليزية، في تقرير لها أن تفاصيل الاتفاق التعاون الثنائي -يشوبه الضبابية- ولكن المعلوم أنه يتركز علي تعزيز التعاون في تبادل الخبرات، وتدريب القوات الخاصة، وإجراء تدريبات مشتركة، والمشاركة في الندوات وعمليات الإنقاذ العسكري.
استاذ العلوم السياسية الساعوري اكد ان دعم مصر للحركات المسلحة بدأ منذ العام 1991 تاريخ اتفاق السودان مع اثيوبيا علي قواعد وبنود حول اتفاقية مياه النيل 1959 ،وقال : منذ ذلك التاريخ بدأ عداء مصر للسودان ، ونبه الي انه كان السبب الرئيس وراء دخول مصر حلايب.
الساعوري حمل مصر مسؤولية توتر اوضاع السودان مع دول السعودية والخليج ،وقال : هي استنفرت كل دول الاقليم ضده وهي من البت الولايات المتحدة ضده ،لكنه اشار الي ان التوترات كانت مكبوتة وان الخرطوم كانت علي علم بكل شئ .
وعلي هذا يبدو ان قوس الاحتمالات سيظل مفتوحا علي اتساعه حول امكانية سماح الخرطوم بتحليق طائرة وزير الخارجية الي العاصمة المصرية القاهرة ، ولو علي المدي القريب رغم تأكيدات الوزير انه سيتفق مع وزير الخارجية المصري سامح شكري علي قيامها في وقت لاحق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق