الأحد، 22 يوليو 2018

الزيارة النوعية للسيسي للخرطوم.. إستراتيجية إعادة بناء العلاقة!

لا شك ان ما بين السودان ومصر الكثير وكثير جداً، فالرباط الجغرافي الجيوسياسي والتاريخي بين الجارين الشقيقين بدا اقل وأمتن من كل التحديات او المشكلات التي عادة ما تطرأ بين البلدين.
السودان من جانبه بدا قوياً وفياً ومخلصاً جدا لهذا الرباط الاستراتييجي الكبير، فعلى امتداد العلاقة التاريخية المتجذرة بين الدولتين لن تجد السودان ابداً وقد استغل ثغرة ما لإيذاء مصر!
وحتى فى أسوأ ظروف العلاقة وفى ذروة سوءها كان السودان ينظر الى مصر باعتبارها الشقيقة التى لا ينبغي خسارتها، وفى احيان كثيرة ترتفع وتيرة الغضب وربما يتم سحب السفراء، وربما تثور حملات صحفية ساخنة، ولكن يظل الرباط الاستراتيجي صامداً لا يفكر السودان -على الاقل من جانبه- بالمساس به ولو باقل القليل طالما أنه يؤذي علاقات البلدين الاستراتيجية.
الآن بدأت مصر بالفعل وبعد ما رأت ان السودان حريص على علاقاته الاستراتيجية، مدرك لكل جوانبها، قادر على المحاظفة على المصالح المشتركة، لا يثير هواجسها، لا يتعامل معها بما يسبب لها مخاوف، تعيد ترتيب أوراق ملف العلاقة حتى تعود الى سابق عهدها، علاقة استراتيجية.
زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى السودان اواخر الاسبوع الماضي يمكن وصفها تاريخياً بانها (زيارة استراتيجية)، اذ انها وضعت بالفعل (حجرالاساس) للمسار الاستراتيجي الذي ينبغي ان تسير فيه العلاقة التاريخية بين الطرفين، وكانت ابرز الصفات الاستراتيجية للزيارة تمثلت في:
أولاً، هي اول زيارة رسمية يقوم بها الرئيس السيسي للسودان عقب انتخابه مؤخراً لدورة رئاسية جديدة، وهذه في واقع الامر فى حد ذاتها حملت مؤشراً على أهمية الزيارة لان الرئيس السيسي استشعر -وهو في بداية رئاسته الجديدة- أهمية ملف السودان وأنه من الامور التى تشغل بال المصريين من كافة الجوانب.
ثانياً، الزيارة جاءت عقب قرار سياسي هام جدا اتخذته مصر صادف ارتياحاً فى السودان، وهو منع مصر للمعارضين السودانيين من الاقامة فيها خاصة أولئك المرتبطين بعمل مسلح كما حدث مع السيد الصادق المهدي مؤخراً اذ تم طرده من القاهرة عقب ذهابه الى ألمانيا وإلتقاؤه بقوى نداء السودان الذي يضم حركات مسلحة سودانية تقاتل الحكومة السودانية فى دارفور وجنوب النيل الازرق وكردفان.
ثالثاً، الزيارة جاءت فى خضم عملية توافق سياسي مشجعة فى المنطقة من واقع نجاح اثيوبيا فى إعادة الدفء لعلاقاتها بأرتريا بعد قطيعة استمرت لـ20 عاماً! فهذا التطور فى علاقة أديس بأسمرا من شأنه ان ينعكس إيجاباً على سائر المنطقة ويوسع من نطاق التفاهم والتعاون لدول المنطقة وينهي الحروب والمنازعات البينية الامر الذي يشجع كل دول الاقليم للسير باتجاه اصلاح علاقتهم وتقويتها لتعزيز التعاون فيما بينهم.
رابعاً، الزيارة ايضاً تأتى فى ظل جهود ايجابية مؤثرة تقوم بها الخرطوم لرأب الصدع بين الفرقاء الجنوبيين وإحلالاً السلام بدولة جنوب السودان، إذ من شأن نجاح السودان -وقد نجح بالفعل فى ذلك- في إنهاء الصراع الجنوبي الجنوبي ان يحقق أمناً واستقراراً فى المنطقة الجميع فى حاجة اليه.
ومن المؤكد ان مصر مشغولة باستقرار دولة جنوب السودان فان لم يكن لشيء فعلى الاقل من أجل المحافظ على استقرار منابع النيل والمحافظة على مصالحها المائية.
اذن زيارة الرئيس السيسي، ليست زيارة عادية عابرة، هي زيارة استراتيجية بمعنى الكلمة من المنتظر ان تؤسس لمستقبل يعود بالنفع على البلدين، صحيح أنه لا تزال هناك قضايا عالقة فى مقدمتها مثلث حلايب، ولكن من المؤكد ان تقوية العلاقة ووضعها فى إطارها الاستراتيجي الصحيح، هو فى حد ذاته مفتاح لحلحلة مثل هذه القضايا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق