الخميس، 19 يوليو 2018

بم تميزت الخرطوم في حلحلة الصراع الجنوبي الجنوبي؟

ربما تساءل الكثير من المراقبين عن السر الكامن في النجاح المضطرد الذي ظلت تحرزه الوساطة السودانية من أجل إنهاء الصراع الجنوبي الجنوبي الذي استعصى على العديد من القوى الدولية ودول الاقليم.
في واقع الامر توفرت مقومات وعناصر نجاح عديدة للسودان كي ينجح في طي هذ الملف الصعب. الامر الاول إلمام القيادة السودانية إلماماً تاماً بحكم القرب الشديد، والعلاقة القديمة بأطراف الصراع، بطبيعة الصراع وعمقه و أبعاده. اذ من المؤكد ان الفرقاء الجنوبيين بمثابة (كتب مفتوحة) بالنسبة للقادة السودانيين، زاملوهم لسنوات في السدوان، فاوضوهم على ايام الحرب الاهلية واقتربوا منهم أكثر فى عمليات التفاوض، ثم عملوا معاً -جنباً لجنب- في الفترة الانتقالية التى امتد لـ6 سنوات قبل وقوع الانفصال. هذا القرب من المؤكد انه يوفر خبرة سياسية جيدة لا تتوفر لآخرين.
الامر الثاني، العلاقات الاجتماعية ذات الطبيعة الانسانية، إذ ان التوسط بين اطراف تربطك بهم صلات اجتماعية و انسانية عميقة اكثر سهولة وسلاسة من أي امر آخر ، خاصة وان الصراع في مجمله يبدأ و ينتهي بمزاج و تناقض سياسي اجتماعي يرجع إلى الطباع البشرية.
الامر الثالث، عنصر الحيدة و النزاهة من جانب السودان حيال الاطراف، حيث ثبت بالدليل القاطع ان  السودان لم ينحاز قط لاي طرف من اطراف الصراع ولم يقف طرف ضد طرف، وهذه النقطة من الاهمية بمكان لانها من اكثر النقاط التى شجعت كل الفرقاء لقبول الوساةط السودانية، اذ ان كل هؤلاء الفرقاء المتشاكسين على قناعة بأن السودان يقف منهم جميعاً موقفا متساوياً وان اي طرف كان لديه شعور بأن السودان يقف مع ضخمه ضده لما تسنى قط جمع هؤلاء الاطراف واقناعهم بوساطة السودان، ومن المعروف في المفاوضات ان الاطراف عادة لا يقبلون بوساطة اي طرف لديه انحياز ضد طرف آخر.
الامر الرابع، المناخ السياسي و الثقافي المواتي الذي وفرته الخرطوم للفرقاء الجنوبيين ما كان ممكناً توفره لدى أي طرف اقليمي أو دولي. فالخرطوم هي العاصمة الام للفرقاء، وهي بهذه الصفة توفر رصيداً اجتماعياً وسياسياً أكثر أمناً ودفئاً.
عواصم الدول ترتبط في مخيلة الساسة بما تمثله وما يحسونه فيها، وهي ليست مجرد طرقات و شوارع وبنايات؛ هي محموعة ذكريات ومعاني تظل ترفد السياسة بما يدفع للمرونة والحرص على التحلي بالصدق و الامان.
العاصمة السودانية الخرطوم اعادت ترتيت الاوراق للفرقاء الجنوبين وأعطنتهم شعوراً بأنهم مطلوب منهم تقديم التنازلات و الحرص على بناء بلادهم، فهاهي الخرطوم ورغم الحروب الاهلية العديدة ورغم الازمات التى مرت بها، آمنة مفتوحة الزارعين، قادرة على توفير الارادة السياسية.
 في الحقيقة لقد تفردت الخرطوم بمزايا عديدة شبيهة بذات المزايا التى لمسها القادة والزعماء العرب في مؤتمر اللاءات الثلاثة الشهيرة في اغسطس 1967، ولا عجب فهي الخرطوم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق