الثلاثاء، 23 أغسطس 2016

«تعبان» من زاوية أخرى

ي نهاية سبتمبر من العام الماضي، وعلى مائدة عشاء بمطعم فخم في قلب منهاتن بنيورورك أقامها السيد وزير الخارجية بروفيسور إبراهيم غندور، وكان ضيوفه وفد من معارضة دولة جنوب السودان تزامن وجوده في الولايات المتحدة مع انعقاد الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة كان دافعها اجتماعي محض عضدته العلائق المشتركة وأخلاق السودانيين في السودان شماله وجنوبه، كان الضيوف د. رياك مشار وتعبان دينق وإيزكيل وعدد من قادة المعارضة الجنوبية يومها، كان واضحاً من خلال الجلسة الطويلة وحوارات العشاء وتقاطعاته وتقييمات الوضع الداخلي في جنوب السودان والمحيط الإقليمي والمجال الدولي الفسيح المهتم بقضية هذا البلد المنكوب، أن الخطى بدأت للتو في التباعد بين رياك مشار وتعبان دينق، ربما خلافات عميقة في الأساس في توجهات الرجلين من قبل وهما عضوان قياديان في الحركة الشعبية، فرياك مشار له خصومة داخل التيار الذي كان غالباً في الحركة من أيام قرنق وما بعده حتى خروجه في ديسمبر 2013م، بينما حافظ تعبان دينق على ارتباطاته مع (ولاد قرنق) داخل الحركة الشعبية وهم حلفاؤه الحقيقيون، ويوجد تقارب مزاجي وسياسي بينه وبينهم، ويحمل ذات توجهاتهم ورؤاهم ونظرتهم للوضع في جنوب السودان . > لكن الذي لفت النظر في تلك الجلسة البعيدة عن أجواء أية مجاملات سياسية أو دبلوماسية او أية عقد اخرى لالتئامها في اقاصي الدنيا في بقعة نائية عن البلدين، هو محاولة السيد تعبان دينق أن يؤكد بصفته الشخصية أنه تغير بالفعل، وينظر الى ضرورة ان يكون هو ومن معه هم التيار الأقرب للسودان داخل دولة جنوب السودان في حال تم السلام وتعافي جسد الدولة الجنوبية من اهوال الحرب وويلاتها.. ودعا في حديث وتحاور مباشر مع كاتب هذه السطور الى ان الاعلام والصحافة السودانية يجب ان تدعم وجود علاقة متينة وقوية بين شطري السودان القديم، وان يكون لها وعي متقدم بوجود هذا التيار . > بالرغم من ان رؤية السيد تعبان قد اقتضتها حالة ظرفية، قد لا تتوافق مع مواقفه السابقة عندما كان حاكماً لولاية الوحدة ودوره في دعم المجموعات المتمردة من حركات دارفور وقطاع الشمال بالحركة الشعبية، ثم تغير وفق الأوضاع الضاغطة عندما خرج متمرداً مع مشار، الى درجة جعلته ينظر للخرطوم نظرة متغيرة تقولبت عنده الى حلف استراتيجي بين الخرطوم وجوبا ...فها هو الرجل يتبوأ موقع الرجل الثاني في الدولة الجنوبية في واحدة من أسوأ حالات هذه الدولة مع ضآلة خياراتها، فما الذي يمكن أن يفعله السيد تعبان دينق وقد طرح من قبل ما يوحي بأنه فهم العلاقة بعد حين على حقيقتها؟ > فالسياسة لا تعرف الثوابت، فهي عنصر متغير باستمرار لا يمكن الركون اليه والاطمئنان إلى ما بها من تحولات، فموقع المعارض هو أسوأ خلفية سابقة لرجل الدولة، لأن الحسابات تختلف والتقديرات تتنوع ما بين النظائر والاشباه والنقائض والاشتباه ..! فدولة جنوب السودان حتى اللحظة تتعامل مع السودان بنوع وافر من التوجس وسوء النية، وتحتضن المعارضة السودانية المسلحة وتدعم الحركات المتمردة، ولم تفك ارتباطها بقطاع الشمال في الحركة الشعبية والجيش الشعبي الموجود في المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق. كما أن الطريقة التي دخل بها تعبان في السلطة لا تعطيه القوة الكافية ولا القدرة على تغيير دفة العلاقات بين الخرطوم وجوبا الى نقطة الاطمئنان . > لقد اعتذرت الخرطوم في بداية الأمر عن استقبال السيد تعبان عندما تم تعيينه، وعد ذلك سلوكاً دبلوماسياً مقبولاً حى تنجلي الأمور وتوضح أكثر وجوبا ملبدة بغيوم النزاع والخلافات، ودول الإقليم وهيئة الإيقاد لم تكن لتعترف الا بما نص عليه في الاتفاقية المبرمة بين سلفا كير ورياك مشار، لكن يبدو أن موقف الخرطوم الإيجابي واستقبالها للسيد تعبان دينق بوصفه النائب الأول لرئيس الجمهورية في دولة الجنوب، قد يفتح الطريق أمام البلدين من جديد للنقاش والتفاهم، وربما يطل بصيص ضئيل مما قاله تعبان في جلسة العشاء النيويوركي، لكن هناك من هو في جوبا يقف بالمرصاد!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق