الخميس، 11 أغسطس 2016

الكونغرس الأمريكي.. دموع متأخرة على أشلاء الجثث في جوبا!

صحيفة الكونغرس الأمريكي الشهيرة (ذا هيل) ذرفت دموعاً من دم عبر مقال مطول في السابع والعشرين من يوليو الماضي 2016 على مجمل الأوضاع المزرية في دولة جنوب السودان! المقال مدهش ومربك بطبيعة الحال كون إن جهة رسمية أمريكية
مؤثرة وصانعة قرار في الولايات المتحدة مثل الكونغرس تتباكى على ما آل اليه الوضع في دولة جنوب السودان، مع أن الولايات المتحدة وكما يعلم الجميع هي الماكينة الرئيسية التى على أساسها أديرت عملية إنشاء دولة جنوب السودان!
 من الغريب أن الولايات المتحدة الأمريكية تبكي على ما اقترفته يدها، ولكنها قطعاً واحدة من أبرز مفارقات واشنطن التي تعج بها صحائف التاريخ، حيث تخطط لفعل خاطئ، ثم ما تلبث أن (تفاجأ) بنتائجه الخاطئة! فيتنام، غيرنادا، بنما، جواتيمالا، العراق، وسلسلة مطولة من الأخطاء التاريخية المجلجلة التى ما تفتأ الدولة العظمى ترتكبها تباعاً وعن سابق إصرار ولا تخجل من التباكي علناً عليها!
 صحيفة (ذا هيل) وتحت مقال حمل عنوان (آخر فرصة للرئيس أوباما للمساعدة في القضاء على تجنيد الأطفال في جنوب السودان) انتقدت إدارة الرئيس أوباما انتقاداً لاذعاً، كونها (ما تزال مستمرة في التعامل مع جوبا عسكرياً على الرغم من وجود قوانين أمريكية تحظر التعامل والتعاون مع الدول التى بها عمليات تجنيد أطفال.
المقال لم يقف عند حث الرئيس أوباما على التحرك -(فيما تبقى له من فترة رئاسته)- لوضع حد لتجنيد الأطفال؛ المقال (تأسف) غاية الأسف على مرور الذكرى السنوية الخامسة لاستقلال دولة الجنوب في ظل حرب أهلية طاحنة وإنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من قبل أطراف الصراع وإنعدام الأمن الغذائي وتدمير البنى التحتية.
ويشير المقال إلى أن إحصاءاً رسمياً لمنظمة اليونسيف إن أطراف النزاع الجنوبي الجنوبي منذ اندلاع القتال في عام 2013 جندوا حوالي 15.000 طفل!  العام 2015 وحده بحسب وثائق رسمية للأمم المتحدة شهد تجنيد 2.500 طفل بواسطة الجيش الشعبي والمليشيات المتحالفة معه!
 مقال صحيفة (ذا هيل) في واقع الأمر أعطى صورة قاتمة ليس فقط للأوضاع في دولة الجنوب –فهذه معروفة ومشاهدة من قبل الكافة– ولكن لطريقة تعامل الإدارة الامريكية مع هذه الأوضاع، فالإدارة الامريكية تخالف علناً قوانين أمريكية صريحة بشأن تجنيد الأطفال، تمنح استثناءات غير مبررة لجوبا عبر الدعم العسكري الذي يسهم في تغذية عملية الصراع الدائر. تتغافل عن إدانة جوبا في ما يجري من إنتهاكات!
 النقطة المركزية هنا أيضاً لا تقف عند حدود ما بات يعرف بالكيل بمكيالين -إذا قارنّا قسوة واشنطن الشديدة على السودان وتساهلها الشديد حيال دولة الجنوب- فالكيل بمكيالين سمة بارزة لا حاجة لنا للإفاضة فيها، ولكن النقطة الأبرز في هذه الصورة الشائهة أن واشنطن ظلت تغض الطرف عن تجنيد الأطفال منذ نشأة الحركة الشعبية والجيش الشعبي (العام 1983) بدليل أن المقال ذكر إن جوبا (لم تحرز تقدماً منذ استقلالها عام 2011 في تسريح الأطفال المجندين في قواتها)!
 المعنى واضح؛ واشنطن سمحت للحركة الشعبية بتجنيد أطفال ثم لما تم فصل الجنوب طالبتها -سراً طبعاً- بتسريحهم، ولكن جوبا لم تفعل! ترى على أيّ أساس أخلاقي تلاحق واشنطن السودان وتتهمه بتجنيد الأطفال، وهاهو الكونغرس يكشف المستور ويتباكى على مخالفة ما أصدره من قوانين وتشريعات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق