الثلاثاء، 16 يناير 2018

مصر وخيانة الجوار الاستراتيجي للسودان!

 الجوار الاستراتيجي في الشأن السوداني المصري ليس محض شأن دبلوماسي و أحاديث ناعمة و دغدغة عواطف ظل القادة المصريين طوال سنوات يتخذونها أقوالاً ولا تدل عليها أفعال! هذا الجوار الاستراتيجي السوداني المصري بمثابة غطاء و عمق امني استراتيجي لكلتا الدولتين ، ولا يصح -مهما كانت المبررات- البعث بهذا العنصر الشديد الأهمية و الخطورة للمنطقة و الإقليم .
المؤسف في الأمر ان مصر تدرك إدراكاً تاماً أنها بغير السودان لا تعني شيئاً على الإطلاق. أولاً، السودان يوفر لمصر أمنها المائي الاستراتيجي، ويشرف على ضمان انسياب شريان الحياة إلى الجارة دون أذى او منّ؛ والمياه هذه ليست مجرد ترف او مورد وهبته الطبيعة و الجغرافيا ولكنه بمثابة أمن قومي، يحرسه السودان لجارته مصر و يحرص على ذهاب حصتها كاملة منذ أكثر من 60 عاماً.
ليس هذا فحسب ولكن  السودان (ضحّى) تضحية نادرة حين ارتضى إغراق منطقة (وادي حلفا) في سبيل قيام خزان السد العالي، الموقع الذي قررت مصر إقامة موقع الخزان الاستراتيجي للكهرباء و المياه فيه في منطقة أسوان.
ثانياً، السودان ظل – وما يزال – فناءً خلفياً يعين مصر على حماية بعض مواردها الاستراتيجية الهامة، ففي كل الحروب  التى خاضتها مصر مع إسرائيل (1956- 1967- 1973) كان السودان الموقع الاستراتيجي الذي تودع فيه مصر طائراتها التى تخشى ان يستهدفها الطيران الإسرائيلي، و تودع فيه اهم مقتنياتها التى تخاف عليها من القذائف. هذه الميزة الأمنية التى يؤمنها السودان لمصر لا يمكن ان تقدر بثمن .
 ثالثاً، السودان يوفر لمصر جسراً قارياً -سياسياً و اقتصادياً- لعمق القارة الإفريقية بحكم ارتباط السودان القوي بدول القارة و منطقة جنوب الصحراء وضعف علاقة مصر بهذه المنطقة الحيوية، وهذا كله غيض من فيض يشكل حياة لمصر، وحين نقول (حياة) فإننا نعني الكلمة بحذافيرها حيث لا تملك مصر عمقاً بهذه المزايا في أي ناحية جغرافية أخرى. و لكن مع ذلك فان مصر لا تأبه كثيراً لهذه الناحية. مصر تبدو غير مواكبة لهذه المزايا الاستراتيجية و تنظر الى السودان فقط نظرة (بواب العمارة) المترسخ في الدراما المصرية المموجة.
تقلل مصر من أهمية السودان وتصادر سيادته الوطنية و تطلعاته و تصادر شخصيته المستقلة! أي قرار يتخذه السودان برأي مستقل ووفقاً لمصالحه تعتبره مصر عدواناً موجهاً اليها. أي موقف يقفه السودان وفق رؤيته تسخر منه مصر و تنتقص منه.
وعلى ذلك فان التحركات المصرية الجارية الآن على تخوم شرق السودان و سعيها المؤسف لفرض مواقف بالقوة، هي بلا شك خيانة لهذا الجوار الاستراتيجي و عبث بالأمن القومي ، فقد صبر السودان لعقود على احتلال مصر لمثلث حلايب السوداني و السعي لتمصيره، و صبر السودان على استهانة مصر بخيارات السودان السياسية في علاقاته الدولية و الإقليمية ، و صبر على رفض مصر معالجة القضايا العالقة بين الدولتين وفق مقتضيات التفاوض و الحوار، كل هذا صبر السودان عليه و لكن من الصعب ان لم يكن من المستحيل ان يصبر على (حماقات) و (سوء تقدير) مصر السياسي التى ربما تعتقد ان السودان محض غابة صغيرة يمكن ان تتم فيها عملية خاطفة دون ان تعلق أشواكها بملابس الجند!
 لن يصبر السودان على تكتيك مصر لإفساد الواقع الاستراتيجي للإقليم و تجييره لصالح قوى صهيونية تسعى للقضاء على الموارد والثروات التى لا تقدر بثمن! مصر عليها ان تدفع الآن (ثمناً استراتيجياً باهظاً) لما ظلت تعبث به و تتلاعب به لسنوات دون ان تدرك قيمته! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق