الأحد، 21 يناير 2018

إتفاقية الحريات الأربع في الميزان الاستراتيجي الراهن في السودان!

تقول سطور التاريخ الخاص بمصر والسودان ان التطور التاريخي الطبيعي لعلاقات البلدين الجارين افضت الى توقيع اتفاقية الحريات الاربع يوم الخامس من شهر اغسطس 2004 وكان السودان حينها متلهفاً لعلاقات نموذجية لا مثل لها -بحكم الجوار الاستراتيجي والتاريخ المشترك الفريد من نوعه - وكان ولا يزال لدى السودان وبغض النظر عن نظام الحكم القائم فيه طموحات اعلى و أكبر في علاقاته الشقيقة مصر.
اتفاق الحريات الاربع تضمن 4 حريات لمواطني البلدين، (حرية التنقل، حرية العمل، حرية التملك، حرية الإقامة). وكان واضحاً إن هذه الاتفاقية جعلت من البلدين بلداً واحداً لمواطن كل بلد. المؤسف فى هذه الاتفاقية ان الجانب المصري لم يبد أي اهتمام بها، فقد مارس الجانب المصري عدة ممارسات سالبة:
أولاً، ما زال المواطنين السودانيين يعانون اشد المعاناة في الحصول على الاقامة.  ثانياً، تفرض السلطات المصرية رسوماً عالية على الاقامة وتشترط موافقة الجهات الامنية وحتى لو تم منح مواطن سوداني اقامة فهي تمنح له فقط بغرض السياحة! في حين ان السودان قام بإعفاء المصريين من كافة اجراءات الإقامة منذ العام 2004م!
ثالثاً، فيما يتعلق بحرية التنقل حدث ولا حرج، مارست السلطات المصرية وما تزال عمليات احتجاز  للسودانيين فى مطاراتها ومنع دخولهم وإرجاعهم رغم حصولهم على تأشيرة دخول رسمية! كما ان السلطات المصرية درجت على القيام بحملات ترحيل  للسودانيين المنتهية اقامتهم!
رابعاً، حتى داخل مصر فإن السلطات المصرية تضع قيوداً صعبة لتحركات المواطنين السودانيين فيها بحجة ضرورة الحصول على تصريح من المخابرات المصرية وتوجد امثلة لا أول لها ولا آخر لسودانيين داخل السجون المصرية اغلبهم من الذين يمارسون التعدين.
خامساً، بالمخالفة للاتفاقية قامت السلطات المصرية بتصنيف السودانيين لفئات عمرية وتشددت فى ما يعرف بـ(كرت الحمى الصفراء) تشدداً غير مبرر! سادساً، فى مجال حرية العمل فتحت الحكومة السودانية الباب واسعاً للمصريين للعمل؛ ومن يتجول فى مدن السودان يلحظ ذلك بوضوح فى حين ان السلطات المصرية اشترطت تصريح من المخابرات المصرية!
وأخيراً ففي مجال حرية التملك وضعت الحكومة المصرية سلسلة من الاجراءات المطولة المعقدة التى يستحيل معها اجراء التملك. من هنا يبدو واضحاً ان الجانب المصري غير حريص البتة -لأسباب غير معلومة- على تنفيذ الاتفاقية التى وقعها بمحض إرادته.
ومن الجانب الآخر فان الجانب السوداني ابدى اهتماماً واضحاً بتنفيذ ما يليه من بنود الاتفاقية و الواقع ان اهتمام الجانب السوداني بتنفيذ الاتفاقية نابع من صميم شعوره بأزلية العلاقة وإستراتيجيتها، و ان الجغرافيا التى جعلت من البلدين لا غنى لأي منها عن الآخر لا يمكن تغييرها فأمن البلدين الجاريين امن مشترك، والبلدين متكاملين من كل النواحي، و ليس اقل من ذلك ان السودان هو العمق الاستراتيجي للشقيقة مصر.
وبما أن الجانب المصري استهزأ و استهان بهذه العلاقة الاستراتيجية فان من ما يعرف بـ(مبدأ المعاملة بالمثل) فى القانون الدولي يدفع السودان مضطراً لمراجعة هذه الاتفاقية، لان من البديهي ان الاتفاقيات الثنائية وجدت لتبقى ولكي يلتزم بها الطرفان.
 وحيث ان هناك طرف ورغم توقيعه على الاتفاقية غير راغب فى تنفيذها -لأسباب تخصه- فان السودان ليس لديه مبرر قانوني للالتزام باتفاق تحلل منه الطرف الآخر ذلك ان اتفاقية الحريات الاربعة اتفاقية لصالح شعبيّ البلدين والغرض منها تسهيل حركة وحياة وعمل مواطني البلدين ولا يمكن للسودان ان يفتح الباب واسعاً للمواطنين المصريين ولنيل حقوق الاتفاقية فى ظل حرمان مواطنيه هو من ذات الحقوق!
 لقد بدأت تتصاعد اصوات شعبية بنبرة عالية فى السودان تطالب بإلغاء هذه الاتفاقية لطالما أن الجانب المصري لا يلتزم بها و غير حريص عليها! وهذه الاصوات الشعبية بدأت الآن تطرق آذان السلطات العليا فى القصر الرئاسي فى الخرطوم وفي المجلس النيابي ومجلس الوزراء والأيام القادمة حبلى بالجديد!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق