الثلاثاء، 16 يناير 2018

القاهرة، هل تعرف مغبة ما تفعل؟

إذا كان الأمر يتعلق بالصبر فان السودان صبر على أكثر من حكومة مصرية وأكثر من نظام في القاهرة اخترقوا أواصر الجوار و المصير المشترك على نحو لا يمكن الصبر عليه، اذ المعلوم انه ومنذ أكثر من 20 عاماً تحتل مصر -احتلالاً عسكرياً- مثلث حلايب في أقصى الشمال الشرقي و تحاول تمصير قبائل سودانية معروفة لا يتوافق لسانها السوداني المبين مع التركيبة السكانية المصرية.
احتلال مصر لمثل حلايب عسكرياً أسوأ في مغزاه من احتلال إسرائيل للأراضي العربي، و المؤلم هنا، ان مصر نفسها جربت احتلال الأرض وانتهاك السيادة حين اجتاحت القوات الإسرائيلية الأراضي المصرية في سيناء و مناطق العريش و طابا في حرب حزيران 1967 الشهيرة!
والغريب هنا ان مصر الجريحة حينها لم تجد مشفىً سياسياً يطبب لها جراحها ويداويها سوى الخرطوم يوم ان أشهرت الخرطوم سيف اللاءات الثلاث و أعادت الاعتبار لمصر المهزومة. و إذا كان الأمر يتعلق بالمصالح الاستراتيجية المشتركة فان السودان ظل يحرس لمصر أمنها المائي بتفانٍ ونكران ذات كما يفعل الشقيق لشقيقه. أغرق السودان مدينة تاريخية هامة في أقصى شماله (وادي حلفا) لكي تنشئ مصر الخزان الاستراتيجي الأول لمياهها ممثلاً في خزان السد العالي في أسوان، الذي لولاه  لماتت المحروسة ظمأً و ظلاماً.
وإذا كان الأمر يتعلق بالأمن القومي المشترك فان السودان لم يضع أي اعتبارات لطبيعة النظام الحاكم في مصر في أي وقت، اذ ان أي نظام مصري قائم هو محل احترام السودان باعتبار ان هذا شأن داخلي مصري محض، يخص المصرين، ولو كان السودان يفكر مجرد تفكير في (ألاعيب السياسة) لما كان أسهل عليه من مساندة النظام الديمقراطي الذي كان يقوده الرئيس محمد مرسي عقب انقضاض الرئيس السيسي عليه!
تلك كانت سانحة جيدة للعب الذكي الماهر، ولكن السودان لم يفعل لانه يستند على قيم ومبادئ يعرفها المصريين. و اذا كان الأمر يتعلق بسد النهضة و الاعتقاد المصري الخاطئ ان السودان يبني علاقات إستراتيجية مع إثيوبيا موجهة ضده؛ فان مصر تستطيع معالجة خلافاتها مع اثيوبيا بالطريقة التي تراها، لا ان تسعى لمصادرة حق السودان في رعاية مصالحه! إن من المدهش ان تصادر مصر إرادة السودان في اتخاذ الموقف الذي يتواءم مع مصالحه والأكثر إدهاشاً ان تكون رغبة مصر ان يتخذ السودان (موقفاً ذيلياً تابعاً لها) لتحقيق مصالحها هي وحدها على الطريقة المصرية المعروفة في الدراما المصرية (وأنا، ما فكرتش فيّ؟)!
كيف يمكن لدولة ان تجبر دولة أخرى -إجباراً- على ان تدور في فكلها و ان تحقق لها مصالحها؟ وكيف يمكن لدولة ان تسعى لجعل دولة اخرى (شغالة) و خادمة في منزل؟ تنادي عليها فتأتي مهرولة وتنتهرها؟ مصر فعلت ذلك مع السودان مع سبق الإصرار وتحت لافتة كذوبة (نحنا أخوات).
ولهذا فان السودان حين يتحرك على طريقته الخاصة إنما يفعل ذلك لكي يضع مصر في الموضع الطبيعي لها، و ليصحح الفهم المغلوط الذي رسخ في ذهنها وجعلها تظن أنها (سيدة الفيلا) وأن السودان (الواد سيد الشغّال)!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق