الخميس، 16 نوفمبر 2017

“السد.. السد”

اختتمت اللجنة الفنية الثلاثية المعنية بسد النهضة على المستوى الوزاري أعمالها بالقاهرة مساء أمس الأول (الأحد)، بمشاركة وزراء الموارد المائية لكل من السودان ومصر وإثيوبيا، ولم تتوصل اجتماعات الجولة السابعة عشرة للجنة إلى اتفاق بشأن اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بالدراسات للسد، والمقدم من الشركة الاستشارية المنوط بها إنهاء الدراستين الخاصتين بآثار سد النهضة على دولتي المصب.
وتعد المرحلة الحالية للمفاوضات الأعقد بين اجتماعات سد النهضة الإثيوبي باعتبار أنها تحدد التفاصيل الفنية للمنهجية التي يستخدمها المكتب الاستشاري الفرنسي “بي .أر. ال” في تنفيذ الدراسات.
تعثر فني
أوضح محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية والري في بيان صحفي تلقت (اليوم التالي) نسخة منه أنه على الرغم من موافقة مصر المبدئية على التقرير الاستهلالي على ضوء أنه جاء متسقاً مع مراجع الإسناد الخاصة بالدراسات، والتي تم الاتفاق عليها بين الدول الثلاث، إلا أن طرفي اللجنة الآخرين لم يبديا موافقتهما على التقرير، وطالبا بإدخال تعديلات عليه تتجاوز مراجع الإسناد المتفق عليها، وتعيد تفسير بنود أساسية ومحورية على نحو من شأنه أن يؤثر على نتائج الدراسات ويفرغها من مضمونها، معربا عن قلق مصر من هذا التطور لما ينطوي عليه من تعثر للمسار الفني، مضيفا على الرغم مما بذلته مصر من جهود ومرونة عبر الأشهر الماضية لضمان استكمال الدراسات في أقرب وقت بما في ذلك الدعوة منذ مايو الماضي لاجتماع على المستوى الوزاري للبت في الأمر، وما بذل من جهد في التوصل إلى اتفاق إعلان المبادئ في مارس الماضي الذي كان علامة فارقة على مسار التعاون بين مصر والسودان وإثيوبيا، الأمر الذي يثير القلق على مستقبل هذا التعاون ومدى قدرة الدول الثلاث على التوصل للتوافق المطلوب بشأن سد النهضة وكيفية درء الأضرار التي يمكن أن تنجم عنه بما يحفظ أمن مصر المائي.

تسييس غير مبرر
عبد المحمود عبد الحليم سفير السودان في القاهرة أكد من جانبه أن بيان الجانب المصري لم يكن موفقا وبه تسييس غير مبرر لقضايا فنية. وقال عبد المحمود لـ(اليوم التالي) إن المعلومات التي وردت بالتقرير غير صحيحة وبه تجن واضح على مواقف السودان الذي لولاه لما وصلت المسائل إلى ما وصلت إليه الآن من تقدم، مضيفا أنه كانت هناك رؤية سودانية لحل الخلافات في هذا الاجتماع، ورغم أن السودان له الحق في اتباع ما يراه مساندا لمصالح شعبه، ومع ذلك ظل إيجابيا طوال الاجتماعات السابقة، وتابع: السودان عمل كثيرا لإنقاذ كثير من المفاوضات لسد النهضة في المسارين الفني والسياسي، وإن غالب الظن أن البيان المنسوب لوزارة الري المصرية قصد به الاستهلاك المحلي، وكان ينبغي أن تعكس الأمور كما هي،

وأن يبلغ الرأي العام المصري أن مثل هذه الأمور فنية ومعقدة وتحتاج إلى زمن وأنها قضايا لا تحل في يوم وليلة، نافيا إدخال الجانب السوداني تعديلات على التقرير الاستهلالي كما ورد في البيان، وقال: بالعكس الجانب المصري هو الذي أدخل مرجعيات وتعديلات متعددة على التقرير منذ الاجتماع الأول وليس السودان، مضيفا: إثيوبيا قادرة على الدفاع عن نفسها، لافتا إلى أن البيان الصادر من الجانب المصري يثير الشكوك حول مستقبل هذه المفاوضات، واعتبر أن البيان كان لمخاطبة الرأي العام المصري بما جعل الإعلام يستعجل النتائج، مبينا أنه رغم ذلك كان هناك جو من الود والانسجام بين الوزراء الثلاثة على خلاف ما عكسه البيان تماما وأنه كان هناك عشاء مصري للضيوف في نهاية الاجتماعات قدمت فيه عروض فنية متنوعة، وقال: الوزير المصري محمد عبد العاطي كان ودودا جدا مع الوزير معتز موسى وظل معنا حتى ودعه بمطار القاهرة عائدا للخرطوم في وقت متأخر من مساء أمس الأول.
وضع السيناريوهات
الاجتماعات بحثت الخطوات القادمة في التعامل مع الملف، بما يسمح للمكتب الفرنسي البدء في دراساته الفنية والهندسية ووضع السيناريوهات المختلفة، لقواعد التشغيل السنوي للسد بما لا يؤثر على معدلات تدفق المياه في مجرى النيل الأزرق، فضلا عن عدم إلحاق الضرر بالسدود المقامة على مجري النهر، أو نظم تشغيلها، ووضع قواعد الملء للخزان وفقا للمرحلة التي يمر بها الفيضان في الهضبة الإثيوبية وقواعد التفريغ للخزان، بالإضافة إلى دراسة تقييم الأثر البيئي والاجتماعي والاقتصادي على مواطني الدول الثلاث بما يسهم في وضع خريطة مائية للسدود المقامة على النيل الشرقي.

مصر تسعى
فور بدء جولة المفاوضات أشار مصدر مصري مسؤول بالملف إلى أن مصر تسعى جاهدة لإقناع الدول بضرورة القبول بالتقرير الاستهلالي الذي أعده المكتب الاستشاري الفرنسي لأن ذلك من شأنه الدفع نحو استكمال الدراسات والخروج بتوصيات يمكن التوافق بشأنها بخصوص الملء الأول للسد، وكذلك تشغيله بطريقة تراعي حقوق، واحتياجات دولتي المصب، موضحا أن هناك اتفاقا بين الوزراء منذ بدء الخلافات حول بعض نقاط التقرير الفرنسي، على أن تكون اجتماعات اللجنة الثلاثية مغلقة وبعيدا عن وسائل الإعلام حتى يتمكن أعضاؤها من التوصل لتوافق، وأضاف المصدر أنه ستتم مناقشة آليات عمل المكتب بعد الموافقة على التقرير الاستهلالي والبرنامج الزمني لتنفيذها بما فيها زيارات السدود والخزانات في الدول الثلاث، وهذا المطلب مصري، كما أشار المصدر إلى أن هناك برنامجا لزيارات ميدانية سيقوم بها خبراء المكتب الفرنسي للتعرف على مراحل تخزين وقواعد التشغيل للسدود والخزانات الكبرى على طول مجرى النيل، داخل مصر والسودان والعلاقة بينها وبين قواعد، ومراحل التخزين ببحيرة سد النهضة، خاصة فترة الملء الأول، ومدى تأثر الخزانات والسدود وقواعد التشغيل الأنسب للسد، حتى لا تؤثر سلباً على معدلات وصول مياه النيل الأرزق التي تشكل 85 % من حصة مصر المائية.

لم يكن مفاجئاً
الدكتور محمود أبو زيد وزير الري والموارد المائية المصري الأسبق لفت من جانبه إلى أن التعثر في المسار الفني لمفاوضات سد النهضة لم يكن مفاجئا. وقال أبو زيد لـ(اليوم التالي) إنها ليست المرة الأولى التي تتعثر فيها مفاوضات السد الإثيوبي، مضيفا أنها سبق وأن تعثرت واستكملت، موضحا أن هناك خلافا في الرأي حول التقرير الاستهلالي للشركات الاستشارية بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، مبينا أن هذا الخلاف يتركز حول الخط الأساس في التقرير الذي يبدأ منه المكتب الاستشاري دراساته، وقال إن مصر تصر على وضع حصة مصر والسودان والجانب الإثيوبي يرفض ذلك، منوها لأن السودان كان يقبل بموقف مصر ولكنه تراجع في الجلسة الأخيرة، ولم يستطع أبو زيد تفسير تغيير موقف السودان، مؤكدا أن المكتب الاستشاري في هذه الحالة لن يبدأ إلى أن يتم الاتفاق، وتابع من الواضح أن الأطراف الثلاثة لن تصل لي نتيجة الأمر الذي يستدعي التدخل السياسي على مستوى وزراء الخارجية وإن لم يحدث ذلك فسيكون على مستوى الرؤساء، وقال ليس هناك حل الآن سوى اللجوء للمسار السياسي لحل المشكلة.

خلاف سياسي
وأكد الدكتور أيمن عبد الوهاب الخبير بمركز الأهرام الاستراتيجي أن المشكلة في مفاوضات سد النهضة ليست فنية، وأن الجزء الأكبر منها سياسي. وقال عبد الوهاب لـ(اليوم التالي) لابد من تحرك سياسي، مضيفا: المسار السياسي هو الذي نستطيع أن نبني عليه المسار الفني، ولكن ذلك يصطدم بتباين الرؤى والمصالح، لافتا إلى أن المشكلة تتركز الآن في التأثيرات الناتجة عن السد بالإضافة إلى السد نفسه والذي أصبح أمرا واقعا، مضيفا أن التأثيرات الناتجة عن السد تحاول إثيوبيا فرضها كأمر واقع أيضا، داعيا إلى وضع إطار سياسي يجمع كافة دول حوض النيل في مرحلة لاحقة، وقال إنه بدون ذلك ستظل المشكلة عالقة ويمكن أن تكون هناك مسارات للتصعيد، وتابع: وجود مسارات بدون التوصل إلى توافق قبل الملء الأول للسد سيسبب مشكلة، وسيمثل عدم التزام بما جاء في اتفاق المبادئ الذي وقع بين رؤساء الدول الثلاث في الخرطوم في مارس من عام 2015، وقال: لابد من قدر من المرونة، مشيرا لأن الموقف السوداني أقرب لموقف إثيوبيا، وقال إن هذا مرتبط بأن تأثير السد على السودان ليس كتأثيره على مصر، وأيضا مرتبط بالتقارب الإثيوبي السوداني في ظل ما أسماها مساحة من التوتر بين مصر والسودان في الفترة الأخيرة، مؤكدا أن ذلك يصب في ملف سد النهضة، مطالبا بتفعيل المسار السياسي والتحرك الدبلوماسي في المرحلة المقبلة لاستدراك الأمور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق