الأحد، 12 نوفمبر 2017

جوبا – الخرطوم.. نقاط على حروف إستراتجية لا غنى عنها للدولتين!

القمة الاستراتيجية البالغة الأهمية التى جرت وقائعها بين الرئيسين البشير وسلفا كير ميارديت بالعاصمة السودانية الخرطوم الأسبوع قبل الماضي لا يمكن النظر إليها فقط في سياق العلاقات الثنائية المتأرجحة بين الجارتين الشقيقتين، ولكن من المؤكد ووفق ما بدا واضحاً للكثير من المراقبين جاءت في سياق بناء العلاقات إستراتجية حقيقية هي دون شك ضرورية بل وحتمية للغاية لكلا الدولتين.
الاجتماع المغلق الذي استمر لأكثر من ساعة وبين البشير وكير وضع الكثير من النقاط على حروف إستراتيجية ظلت معلقة لعدة سنوات تضرر منها شعب الطرفين والذي كان في الأصل شعباً واحداً، فمن جهة أولى فان قضية فتح الحدود و تأمينها والسماح بانسياب التجارة الحدودية هذه قضية بدا أثرها واضحا ومباشراً لان شعب جنوب تقوم حياته على نحو أساسي على حركة البضائع و السلع بين الدولتين لان الأسعار والجودة و قصر المسافة كلها عوامل تجعل البضائع السودانية هي المفضلة لدى الجنوب.
ومن جهة ثانية فان قضية معالجة الاختلال الأمنية المتعلقة بالحركات المعارضة المسلحة يخدم  إستراتيجية الأمن القومي للدولتين و الأمن القومي للمنطقة. فقد لحقت أضرار بالغة بدولة الجنوب جراء عدم تحليها بالمسئولية حيال المحافظة على علاقة جوار محترمة مع السودان.
 الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا اعتقدت بسذاجة منقطعة النظير ان بإمكانها لعب دور لصالح حركات سودانية مسلحة وأن هذا أمر سهل وقليل التكلفة! ثم سرعان ما ثبت لها أن رقعة المواجهات اتسعت داخل دولة الجنوب، وأن السلاح اصبح سيد الموقف و من ثم ضاع امن و استقرار الدولة الوليدة!
ومن المهم هنا ان نؤكد -بأدلة قاطعة- ان مغامرة جوبا بدعم حركات السودانية المسلحة هي التى تسببت في انتشار السلاح و الانتشار المواجهات داخل دولة الجنوب لان الحركات السودانية المسلحة وعلاوة على انها متشاكسة ، فهي تحمل بذرة ارتزاق وعدم مسئولية حيال الأمن المنطقة بأسرها.
هي لم تعد حركات معارضة مسلحة بقدر ما هي أصبحت تعيش حياتها على هذا النحو اتخذت من حياة السلاح والحرب أسلوب حياة! جوبا لم تدرس جيداً هذا الواقع و من ثم فتحت الباب لهذه الحركات السودانية المسلحة لتتخذ من ارض الجنوب ميداناً فسيحاً للعمل الارتزاقي، و محاولة استغلال الامور لصالح الحصول على الأموال والأسلحة.
ولهذا فان اتفاق الخرطوم جوبا -على نحو عملي وناجز- لوضع حد لحركة العمل المعارض المسلح في البلدين هو عمل استراتيجي لا غنى لهما عنه.
من جهة ثالثة فان وجود (علاقات طبيعة) ملؤها احترام كل طرف للآخر واحترام الجوار في الجغرافيا بكل ما فيه من مشتركات إستراتيجية شديدة الأهمية يعطي كل بلد فسحة لكي يحقق ذاته. دولة جنوب السودان في حاجة لبناء وتنمية نفسها وهي الآن تسببت بسوء تقدير في فرار مئات الآلاف من شعبها إلى دول الجوار وغالبيتهم هنا في السودان ولم تنجح -وقد مضى على قيامها أكثر من 6 سنوات- في إنشاء اية مشروعات تنموية او مدارس او مستشفيات او مصانع ولهذا فكلما توفرت لها علاقات طبيعة جيدة مع الدولة الأم (السودان)، كما أتاح لها ذلك بناء نفسها.
ومن جهة رابعة فان السودان الآن لاعب مؤثر في المنطقة و على النطاق الدولي، وهذه حقيقة لا يجدي إنكارها او الاستهانة بها ولهذا فان جوبا -شاءت أم أبت- في حاجة ماسة جداً للسودان لكي يعاونها في تجاوز مشاكلها وتحدياتها.
وأخيراً فان دولة جنوب السودان و مهما كانت لديها من خيارات فان خيارها الاستراتجي الأوحد، المتصل بجعل الواقع هو ان تنشئ علاقة إستراتيجية قوية مع السودان فالماضي المشترك و الحاضر المتصل لا مجال معهما إلا بقيام علاقة خصوصية وعلى نحو متفرد، لان السودان سيوفر التدريب والكوادر الوسيطة والقيادية و التعليمية في شتى المجالات و رأس المال اللازم لتأسيسي بنى تحتية اقتصادية مما يجعل من اقتراب جوبا من الخرطوم في واقع الأمر ضرورة ملحة يجدر لجوبا المحافظة عليها والعض عليها بالنواجذ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق