الثلاثاء، 7 يونيو 2016

سد النهضة والتصريحات الإثيوبية

عبّرت الأوساط السياسية والإعلامية في مصر عن غضبها من تصريحات وزير الإعلام الإثيوبي، جيتاشو رضا، قبل أيام لصحيفة الشرق الأوسط السعودية، وكشف فيها أن بلاده توشك على الانتهاء من بناء سد النهضة. وجاءت هذه التصريحات مفاجئة
وصادمة للمصريين، إذ اعتادت الحكومة الإثيوبية على بث تطمينات لدولتي المصب (السودان ومصر) أن السد لا يشكل أي خطورة على حصتيهما من منسوب نهر النيل. وظلّت تحركات مسؤولي الحكومة تعتمد الدبلوماسية الهادئة التي تؤكد التزام إثيوبيا بإعلان المبادئ الذي أقرته الدول الثلاث في الخرطوم العام الماضي.
ويرى مراقبون أن إثيوبيا نجحت في استمالة الموقف السوداني لصالحها، بعد أن كان متضامناً إلى حد كبير مع مصر، يعزّز هذه الفرضية ما جرى توقيعه من اتفاقياتٍ تجارية واقتصادية بين الخرطوم وأديس أبابا الأسبوع الماضي. اشتملت هذه الاتفاقيات على مذكرة تفاهم لإنشاء بنك إثيوبي في السودان، ومنح إثيوبيا تسهيلات وميزات تفضيلية لاستخدام ميناء بور سودان.
يبدو فعلياً أن إثيوبيا أكملت تشييد 50% من أعمال البنية التحتية لسد النهضة، وانتهاء معظم عمليات الهندسة المدنية إلى جانب تركيب التوربينات، وهذا ما يشير إلى افتتاح السد في موعده المقرر العام المقبل 2017. وربما يفسر قول الوزير الإثيوبي "من يرى أنه سيتضرر من السد فهذه ليست مشكلتنا"، بمعنى أن قيام السد صار أمراً واقعاً.
وجاءت ردة الفعل المصرية على هذه التصريحات، في بيان للناطق باسم وزارة الخارجية، قال فيه إن بلاده تلقت من المسؤول الإثيوبي ما يؤكد عدم دقة ما نُسب إليه من تصريحات، بالإضافة إلى أن الحكومة الإثيوبية ملتزمة باتفاق إعلان المبادئ مع السودان ومصر بشأن سد النهضة، في إطار بناء الثقة بين الدول الثلاث، إلا أن سياسيين مصريين اعتبروا أن تصريحات الوزير تدل على الغرور والاستفزاز، وهاجموا موقف الحكومة المصرية، موضحين أنه غير مقبول.
وذهبت بعض وسائل الإعلام المصرية، ومن يسمون أنفسهم خبراء استراتيجيين إلى أن مصر تناور إثيوبيا، وتسعى إلى الاتفاق مع جمهورية الكونغو الديمقراطية لربط نهر الكونغو بنهر النيل، لتعويض النقص المائي الذي تعانيه القاهرة، متناسين أنّ فكرة الربط هذه تعود إلى العام 1980 حيث أجريت دراسات ميدانية لبحث المشروع، سرعان ما تبيّن صعوبة تحقيقه في الواقع لعدة أسباب، أبرزها التكلفة المالية الباهظة للمشروع، ومرور النهر بعشر دول إفريقية تشهد نزاعات وحروباً مستمرة، بجانب العقبات الفنية والتقنية.
وإذا كانت التصريحات الإثيوبية تمثل خروجاً عن السياسة الناعمة التي عُرفت بها حكومة أديس أبابا أخيراً، فإنها تشير إلى التحول الواضح في طريقة تفكير المسؤولين الإثيوبيين، معتمدين على صلابة موقف بلادهم، وعلاقاتها القوية بالغرب، خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، بالإضافة إلى نجاحهم في استقطاب استثمارات خليجية واسعة، خصوصاً في الزراعة والطاقة وصادرات اللحوم.
لا خيار لمصر إلا بالتفاوض مع الجانب الاثيوبي، على الرغم من مُضيه في بناء السد، من دون انتظار لنتائج دراسات المكاتب الاستشارية، وما ستسفر عنه، في ضوء ابتعاد السودان عن مصر بسبب انعكاسات قضية حلايب. وفي الوقت نفسه، تشهد العلاقات السودانية الإثيوبية نقلة نوعية، أكدتها الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية التي أبانت أن لغة المصالح والمنافع المشتركة تعلو على صوت العواطف والأحاديث المنمقة بينهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق