الأحد، 18 يناير 2015

شمال وجنوب السودان.. الوحدة ليست مستحيلة

لم تكد دولة جنوب السودان تكمل عامها الرابع منذ الاستقلال منفصلة عن السودان، حتى عاد الحديث عن إمكانية العودة إلى الوحدة مع السودان من جديد – وتناقلت وكالات أنباء مقربة من الحكومة في الخرطوم، حديثاً نسبته إلى النائب السابق لرئيس دولة جنوب السودان رياك مشار، حمل طلباً لمشروع إعادة الوحدة بين شمال وجنوب السودان، وقد أردفت تلك الدعوة بتصريح لمسؤول سابق في حكومة الإنقاذ هو القيادي بالمؤتمر الوطني قطبي المهدي، علق خلاله على الحديث المنسوب لمشار وهو يقول : "إن الانفصال تم باستفتاء الجنوبيين، وأن التراجع عنه يتطلب استفتاء السودانيين..".
وكانت قيادات في الحركة الشعبية الموالية لرياك مشار المتمرد على حكم الرئيس سلفا كير ميادريت، قد جهرت بآمال في عودة إلى الوحدة بين شمال وجنوب السودان، وهو الأمر الذي أكده وزير الإعلام في حكومة جنوب السودان حين اعترف في وقت سابق بأن ثمة "عناصر جنوبية ترى أن هناك إمكانية لوحدة البلدين مرة أخرى.." واعترف الوزير الجنوبي : " نعلم أن بعض عناصر من المتمردين مع رياك مشار لديها ميول بعودة جنوب السودان إلى السودان قبل أن يستبعد الوصول إلى تلك الأمنيات قائلاً : "إن ذلك أمر بعيد المنال، بل من رابع المستحيلات".
تطلعات بعض النخب الجنوبية نحو وحدة جديدة بين الشمال والجنوب تواطئها رغبة لدى نظرائهم من الشماليين الذين يعتبرون التطابق في وجهات النظر بين الفريقين في الشمال والجنوب مؤشراً جيداً يمكن أن يكون مهاداً لتلك الوحدة وهو ذات الأمل الذي ظل يعبر عنه الشيخ حسن الترابي – الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي – الذي قال في ندوة سياسية في اتحاد المحامين، إنه يتطلع إلى عودة الجنوب متحداً مع الشمال، واستشهد الترابي في حديثه بأن الأمر يمكن أن يكون مثل "الطلقة الرجعية في فصال الأزواج يمكن أن يستدرك عليها بالرجعة إلى الوحدة من جديد"..
وكان الرئيس عمر البشير، قد سلط الأضواء على تلك الأمنيات وبعثها قوية في نفوس المتحمسين للوحدة في الجانبين حين أعلن خلال حديث له في مؤتمر حزبي في الخرطوم، أن حكومته تلقت اعتذارات من قوى دولية، لم يسمها، قال إنها عملت من أجل فصل الجنوب بغية تدمير الشمال، وأن تلك الجهات الدولية تطالب الآن بإعادة النظر في انفصال الجنوب، والعمل على إعادة الوحدة بين السودان ودولة جنوب السودان.
لكن حكومة جنوب السودان سرعان ما ردت على لسان وزير الإعلام فيها، مايكل مكواي، بأن "العودة للوحدة مجدداً مع السودان خيار غير مطروح"، وشكك مكواي في صحة ما صرحت به الحكومة السودانية، وطالب بتسمية الجهات الدولية التي قال إنها اعتذرت وطالبت بإعادة الوحدة للسودان.
لكن التأكيد حول هذه القضية جاء من داخل المعارضة السودانية فصرح رئيس تحالف قوى الإجماع الوطني المعارض فاروق أبو عيسى، أن حكومة جنوب السودان أبلغت قيادة المعارضة أنها مستعدة للعودة إلى خيار الوحدة مع الشمال، إذا توافر شرط نظام ديمقراطي برحيل النظام الحاكم في الخرطوم الآن.
وثارت أحاديث في أوقات سابقة في الخرطوم وجوبا، أن نقاشاً دار وسط جهات نافذة في واشنطن وعواصم غربية كبرى، تداولت في إمكانية قيام إتحاد كونفيدرالي بين شمال وجنوب السودان، يقوم على أسس جديدة مقابل دعم عالمي كبير، وقد سرت أنباء أن تلك الجهات قد نقلت تلك المقترحات بالفعل إلى حكومتي جنوب وشمال السودان. وقد غذت تلك الأنباء تطلعات السودانيين الشعبيين في الشمال والجنوب الذين تضررت مصالحهم التجارية لا سيما التجار الشماليين الذين ازدهرت تجاراتهم في جنوب السودان قبل أن يعود عليهم انفصال جنوب السودان بأضرار وخسائر فادحة.
هذا، وفقدت حكومة شمال السودان ما يقدر بـ(70%) من الموارد النفطية التي ينتجها جنوب السودان، وهذا ما أحدث أزمة اقتصادية طاحنة في شمال السودان، إضافة إلى أن التوترات الأمنية التي أحدثتها الحرب الأهلية في جنوب السودان، ألقت بظلالها على طول الحدود مع الشمال ودفعت بأعداد كبيرة من النازحين تجاه الشمال ما شكل عبئاً على حكومة الخرطوم.
جاءت إتفاقية السلام الشامل في نيفاشا في العام 2005م كثيفة البنود، حافلة بالتفاصيل، لكنها أريد لها أن تضع أساساً جديداً لدولة السودان يمثل مهاداً لسودان جديد ينخرط فيه الجنوبيون في وحدة طوعية مع الشمال من بعد إيفاء شرط الاستفتاء، لكن التعثر في تنزيل بنود اتفاقية نيفاشا بروحها التي كان من شأنها أن تجعل الوحدة خياراً جاذباً شكل واقعاً مليئاً بالنذر وضع السودان على حافة التمزق بعد أن انفصل جنوب السودان. لكن اشتعال الحرب الأهلية في جنوب السودان على ذلك النحو العنيف ربما رد النخبة الجنوبية إلى أمل الوحدة بين الشمال والجنوب من جديد، لكنه أمل يحتاج إلى عمل جد مضني من الشمال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق