الثلاثاء، 20 يناير 2015

مرحباً بالوحدة الطوعية

دعوة مجموعة (رياك مشار) لاستعادة الوحدة مع السودان بعد فشل مشروع الانفصال ليست هي الأولي ولن تكون الأخيرة بعد سوء الحال والأوضاع المأساوية التي تحاصر أشقاؤنا في جنوب السودان بعد الاستقلال، حيث احتدم الصراع القبلي وتجاوز كل المفاهيم والأسس التي قامت عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان في ذلك (المنفستو) الذي صاغه بحكمته وتجاربه الطويلة (الدكتور جون قرنق) الذي اعتمد المواطنة كأساس في الدستور دون تفرقة دينية أو ثقافية بين أبناء الوطن الواحد والذي كان في ذلك الوقت السودان الواحد الموحد، حيث قال عن الهوية ما لم يقله أي مفكر في العالم ولكن للأسف أن كل الذين أتوا من بعد وفاته لم يستوعبوا تلك الفكرة، بل تجاوزوها في اتجاهات مغايرة أدت الى انفصال الجنوب عن الشمال، بل أدخلت الجنوب نفسه في حروب قبلية ظلت تزداد اشتعالاً يوماً بعد يوم حتى الآن فقد ذكر (جون قرنق) في حديثه حول الهوية والمواطنة مخاطباً كل الشعب السوداني في الشمال والجنوب قائلاً: (إن الثقافة العربية من المكونات الأساسية للشخصية السودانية ولكن العروبة وحدها لا توحدنا كما ان الإدعاء بأننا أفارقة ولسنا عرباً، فإن ذلك أيضاً لن يوحدنا ولكن الذي يوحدنا تماماً هو السودان فقبل أن ندعي بأننا عرب أو أفارقة فلنتفق بأننا سودانيون) تلك كانت رؤية جون قرنق التي كان من الممكن أن تنبني عليها فكرة بناء الدولة السودانية الديمقراطية الحديثة ولكن للأسف ضاعت الفكرة وانفصل الجنوب ودخل في حروب قبلية كما لم يسلم السودان الشمالي من عدم الاستقرار وتلك الحروب الطرفية التي اشتعلت في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق واليوم وبعد نكص قادة الحركة الشعبية بكل المواثيق التي صاغها المفكر (جون قرنق) واختاروا الانفصال لشعبهم يعودون اليوم ويطالبون بعودة السودان الدولة الواحدة وكانت العاصمة (جوبا) قد شهدت في العام الماضي تظاهرات شعبية حملت علم السودان وهتفت صراحة باستعادة الوحدة مع الخرطوم بعد أن فشل المشروع المتعجل مما جعل عدداً من القيادات الجنوبية تبحث بشكل جاد عن إمكانية استعادة الوحدة التي كانت خياراً مرفوضاً بشكل جماعي في السابق وأذكر حينما جمعني لقاء بالأخ (باقان أموم) في واشنطن قبل عملية الاستفتاء بشهور قليلة قلت له: (لماذا تتجهون نحو الانفصال وأنتم حركة شعبية تحكمون كل الجنوب منفردين وتشاركون في حكم السودان بنسبة (30%) ولم أجد منه إجابة غير الخلاف حول التقسيم العادل لعائدات النفط وبعض النصوص الدستورية التي كان في الإمكان معالجتها عبر الحوار دون اللجوء لذلك الانفصال المتسرع ولقد تأكد لي عبر حوارات مع عدد من قادة الحركة الشعبية بأنهم مجمعين على الانفصال وكذلك القوى السياسية الجنوبية الأخرى بما في ذلك (لام أكول) الذي كان على خلاف مع الحركة الشعبية واليوم بعد تجريب الانفصال الذي أثبت فشله في إقامة الدولة الجنوبية المستقرة عاد الجنوبيون يطالب بعضهم باستعادة الوحدة مع الشمال ليجدونا في غاية الترحاب والقبول شريطة إجماع كل الجنوبيين عبر استفتاء جديد تشرف عليه الأمم المتحدة وبنسبة قبول لا تقل عن تلك النسبة العالية التي أقرت الانفصال والتي تجاوزت الـ 90% في ذلك الوقت حتى نطمئن تماماً على استقرارها رغبة إستراتيجية لا تقبل النكوص أو التراجع ولا تحتمل إلا صدق النوايا والجدية من كافة القيادات السياسية الجنوبية، فالسودان وطن يسع الجميع كما قال (الدكتور جون قرنق) والعلاقة ما بين الشعبين الشقيقين هي صلة رحم ووجدان وتمازج ثقافي فريد من نوعه وحب وطمأنينة جعلت أهل الجنوب يتجهون شمالاً بشكل تلقائي حينما ضاق بهم الحال بسبب الاقتتال والحرب الأهلية فمرحباً بالأشقاء في بلدهم ومرحباً بالوحدة الطوعية في السودان الواحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق