الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

الرئيس كير واعترافات لصالح السودان بعد فوات الأوان!

في رسالة بعث بها مؤخراً عبر مبعوث خاص إلى الرئيس السوداني البشير قال الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت انه يعتقد أن الرئيس البشير أفضل من بإمكانه التوسط لحل النزاع الجنوبي الجنوبي مبرراً ذلك بمعرفة البشير بالقادة موضوع النزاع وبطبيعة وأبعاد الصراع في الدولة الجنوبية الوليدة!
لو أن أحداً غير الرئيس الجنوبي كير أقرّ بهذه الحقيقة لما كان الأمر يستوقف أحداً، إذ المعروف للقاصي والداني انه وبالفعل لن يجد القادة المتصارعين في جوبا أفضل من الرئيس البشير -قائده السابق- لحسم صراعهم الدامي المرير. ولكن أن يقول ذلك ويعترف هذا الاعتراف الجهير، الرئيس كير نفسه، فإن من المؤكد إن الأمر يستوقف المراقبين ويثير تساؤلاتهم.
فمن جهة أولى فلو أن هذه هي عقيدة الرئيس كير بحكم معرفته بالرئيس البشير، خاصة وأنه عمل تحت إمرته بالقصر الرئاسي لست سنوات، فإن التساؤل هنا يثور بقوة بما إذا كان الرئيس كير ظل وما يزال يسعى للنيل من رئيسه السابق عبر دعم بلاده للحركات السودانية المسلحة غير آبه بمخاطر هذا الدعم، غير مكترث بمآلاته. فحين تضع ثقة كاملة في شخص ما على أنه قادرة على حل أزمة خاصة بك، فإن من غير الموضوعي -بحكم هذه الثقة- أن تسعى للنيل من الشخص نفسه وأن توجه له الاتهامات بأنه دعم المعارضة الجنوبية ضدك!
الرئيس كير بهذه المفارقة أدان موقفه بنفسه وحرر صك براءة للرئيس البشير. ومن جهة ثانية فإنه إذا كان الرئيس البشير هو الأقدر على حل النزاع الجنوبي الجنوبي والرئيس كير يعرف ذلك، لماذا إذن سعى الرئيس الجنوبي للاستعانة بالقوات اليوغندية المنتشرة بكثافة على نطاق واسع بدولة الجنوب ثم استعان بالحركات السودانية المسلحة؟
أما كان الأفضل منذ لحظة اندلاع الصراع، أن يسارع الرئيس كير بالاستعانة (برئيسه السابق) ويطلب من السودان رسمياً التوسط لدى الطرفين دون أن يستعين بقوات يوغندية وحركات مسلحة؟ إن الرئيس الجنوبي بهذا أقرَّ بأنه ظل يلف ويدور لحوالي عامين قتل خلالها الآلاف ولجأ الآلاف ليعود بعد كل هذه العناء ويقرر قدرة السودان -منذ البداية- على حل أزمة بلاده! هذا الدوران الشاق والطويل في علم السياسة يعتبر بمثابة تعميق للأزمة وتوسيع لمدى نطاقها دون طائل.
ومن جهة ثالثة فإن إقرار الرئيس كير بقدرة البشير على الحل يستلزم -بالتزامن مع هذا الإقرار- الاعتذار رسمياً عن مزاعم جوبا بدعم الخرطوم للمتمردين الجنوبيين، فلا يمكن لعاقل أن يصدق أن طرف ما في الصراع يستعين بوسيط يعتبر هو الداعم للطرف الآخر! وعلى كل فإن الرئيس الجنوبي في الواقع أعطى الدليل العملي على أن الدولة الوليدة هي بالفعل في حاجة ماسة جداً لنفض الغبار عن اتفاقية التعاون المشترك الموقعة بين الطرفين في سبتمبر 2012م، فالذي فات على الرئيس الجنوبي وقادته في ذلك الحين -قبل أكثر من 3 أعوام- أن السودان كان (قارئاً جيداً) لمآلات الأوضاع في دولة وليدة قائمة على أساس قبلي، قادتها ليسوا على توافق كامل، ولهذا كان حرص السودان من وراء اتفاقية التعاون المشترك ترسيم الحدود وتأمينها لمنع أي عمل مسلح من طرف ضد آخر، وتفعيل حركة التجارة بين البلدين لصالح التنمية، وتبادل الخبرات في المجالات كافة، ومعالجة اتفاقية التعاون المشترك تلك دون أن يعلم حينها أنها روشتة العلاج الشافية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق