الأحد، 15 نوفمبر 2015

سلام حذر يلوح بجنوب السودان

الخميس المقبل تبدأ المرحلة الانتقالية التى يعلِّق عليها كثيرون الأمل لإنهاء الصراع الدموى فى جنوب السودان بتعاون الفرقاء خلالها على إعادة الأمور إلى طبيعتها وإعداد البلاد لانتخابات برلمانية ورئاسية حرة فى غضون 30 شهراً تنفيذاً لاتفاق السلام الموقع يوم 26 أغسطس الماضى، لكن الأيدى ستبقى على القلوب خوفاً من أن ينهار ويلحق بسبعة اتفاقات سابقة لم تُنفذ.
لا يخلو الأمر هذه المرة من بعض مظاهر الجدية فى تنفيذ الاتفاق الجديد مثل انسحاب القوات الحكومية لمسافة 25 كيلومتراً خارج العاصمة لجعلها منزوعة السلاح وتوقف المعارك باستثناء انتهاكات قليلة من الطرفين وانسحاب القوات الأوغندية أوعلى الأقل بعضها بعد انتهاء مهمتها بمساندة الجيش الحكومى فى صد المتمردين عن العاصمة، وإعلان رياك مشار قائد التمرد أنه سيعود إلى جوبا الشهر المقبل لممارسة مهامه كنائب أول للرئيس، والانتهاء من الترتيبات الأمنية المطلوبة بالاتفاق بين أطراف الأزمة (الحكومة والمتمردون والمعتقلون السابقون من أعضاء المكتب القيادى للحركة الشعبية الحاكمة ووزراء سابقون).
ينص اتفاق السلام على وقف شامل لإطلاق النار بعد 72 ساعة من توقيعه وتشكيل حكومة انتقالية مشتركة فى غضون 90 يوماً وبقاء سلفا كير رئيساً للدولة، وإعادة تمشار لمنصب النائب الأول للرئيس، وتقسيم المناصب الحكومية والمحلية بين الحكومة والمعارضة المسلحة والسياسية وتولِّى 3000 شرطى حماية أمن العاصمة و1000 فرد حراسة مقر الرئاسة و300 فرد حماية مقر مشار.ورغم التفاؤل الذى يسود الأجواء داخلياً وخارجياً وقول سيوم مسفين كبير الوسطاء إن الحرب انتهت إلى غير رجعة إلا أنه من السابق لأوانه الجزم بنجاح هذا الاتفاق، أو تنفيذ بنوده بلا عقبات تؤخر تطبيقه أو تعرضه للانهيار.
فقد تم التوقيع عليه تحت ضغوط شديدة وتهديدات من دول الجوار والمجتمع الدولى لعدم رضاء كل من كير ومشار عن بنود فيه, وكذلك لانعدام الثقة المتجذر، بينهما بما يجعلهما يشكَّان فى نوايا بعضهما البعض ويتعاملان بحذر شديد إزاء أى تصرف، واحتمال ألا يعطى كير مشار سلطات حقيقية كنائب له فيتعمق الخلاف أكثر وقد يتطور إلى عودته للتمرد.
يعزِّز هذا التشاؤم أيضاً تقرير للأمم المتحدة يتهم الطرفين بتكديس السلاح رغم اتفاق السلام ويؤكد أن قرار سلفا كير بتقسيم البلد إلى 28 ولاية بدلاً من الولايات العشر المبنى عليها تقسيم السلطة يقوِّض الاتفاق, ويؤكد أن الطرفين فشلا فى تنفيذ البند الخاص بوقف إطلاق النار بشكل كامل.فلو أن النية خالصة والثقة موجودة لما استمر كل منهما فى تكديس الأسلحة مع بقاء قواتهما فى مواقعها جاهزةً للقتال فى أية لحظة.يدعم ذلك أيضاً تقرير لمنظمة (إيقاد) التى رعت مفاوضات السلام يتهم الطرفين بانتهاك اتفاقات وقف إطلاق النار 53 مرة خلال التسعة عشر شهراً التى سبقت صدور التقرير فى أكتوبر الماضى منها 29 انتهاكاً من جانب المتمردين و24 من القوات الحكومية.كما حذر المتمردون من احتمال استئناف الحرب إذا نفَّذت الحكومة قرار التقسيم لأنه قد يؤدى إلى انهيار الاتفاق الأخير.
فقد أوعزت الحكومة للبرلمان بتعديل الدستور الانتقالى لمنح الرئيس حق إصدار القرار رغم أن ذلك من حق مجلس الولايات الشبيه بمجلس الشيوخ فى دول أخرى وفقاً لقول تحالف المعارضة المكوَّن من 18 حزباً والذى طعن أمام المحكمة الدستورية لوقف ما وصفه بمسلسل تعديل الدستور لصالح الفرد الواحد.
فقد عدَّله كير من قبل مرتين لتأجيل الانتخابات وتمديد رئاسته التى انتهت فى إبريل الماضى، وتقول الحكومة إن التعديل من حق الرئيس إذا رأى أن فيه مصلحة للبلاد وإن الدستور ينص على ذلك.
ويضم قرار التقسيم الذى وصفته (إيقاد) بأنه انتهاك لاتفاق السلام مناطق انتاج البترول الذى يشكل عائده أكثر من 90% من ميزانية الدولة إلى الولايات التى تهيمن عليها قبائل الدينكا التى ينتمى إليها الرئيس بعد أن كانت تابعة لولايات جونقلى والوحدة وأعالى النيل التى تشكل قبائل النوير المنتمى إليها خصمه اللدود مشار مع قبائل أخرى أغلبية السكان وأعطاها اتفاق السلام حق تولى مناصب الحكام وأغلبية مقاعد المجالس المحلية.كما وضع التقسيم كبرى القبائل (الدينكا والنوير والشُّلُك) فى ولايات منفصلة مما أغضب المتمردين وأثار شكوكهم فى مصداقية الحكومة وحذروا من مشاكل على الحدود سيخلقها القرار بين القبائل.وحتى كتابة هذه السطور لم يرد ما يفيد أن الحكومة بدأت تنفذ التقسيم الجديد مما يحيى الأمل فى تفادى عقبة رئيسية يمكن أن تعترض تنفيذ اتفاق السلام.
2,2 مليون إنسان شردتهم الحرب و690 ألفاً لجأوا إلى دول الجوار، عشرات الآلاف اختبأوا فى المستنقعات معرِّضين أنفسهم للموت جوعاً ومرضاً، 70% من الشعب أصبحوا فى حاجة للمساعدة، واحد من كل ثلاثة أطفال يعانى نقصاً حاداً فى الغذاء ويواجه 250 ألف طفل خطر الموت جوعاً،عشرة آلاف لقوا مصرعهم وأصيب أضعافهم بعاهات مستديمة..ألم يحن الوقت لترق لحالهم قلوب القادة وينفذوا اتفاق السلام بنية خالصة؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق