الاثنين، 30 نوفمبر 2015

ما الذي يجري بين السودان ومصر؟

حقاً ما الذي يجري في وادي النيل؟، من غير سابق إنذار وفي غضون أيام قليلة طرأ توتر غير مسبوق على العلاقات السودانية المصرية يكاد يقود الصلة التاريخية بين الشعبين والبلدين التي توصف عادة بالحميمة والأزلية إلى حافة القطيعة وسط حالة فتور عميقة في العلاقات الرسمية بين الخرطوم والقاهرة غطت على كل مظاهر التقارب بينهما، التي شهدتها الفترة الوجيزة الماضية منذ استلام المشير عبد الفتاح السياسي لسدة الرئاسة خلافاً للتوقعات بأن تسوء العلاقة على خلفية المرجعية المشتركة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر والحركة الإسلامية الحاكمة في السودان.
وبغض النظر عن تفاصيل الأحداث التي أدت إلى تصاعد هذه الأزمة في سماء العلاقات السودانية المصرية بحدة غير معهودة، فمن الخفة اعتبارها التفسير الوحيد لتصاعد نبرة التوتر، قد تكون هي السبب المباشر في إشعال نيران الغضب في نفوس السودانيين، ولا سيما الإعلاميين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، الذين قادوا حملة إعلامية عنيفة تندد بما اعتبرته عملاً ممنهجاَ للإساءة لمواطنيهم من قبل السلطات المصرية، والواقع فإن الحدة التي اتسمت بها هذه الحملة تعكس أنها نتاج تراكمات مسكوت عنها، أو تثار أحياناً بين الفينة الأخرى، تنبئ بتحولات لافتة في مزاج الرأي العام السوداني تجاه العلاقات مع مصر تنامت مع الأجيال الجديدة التي لم تتح لها فرصة بناء تواصل وجداني مع مصر بسبب عوامل كثيرة كالتي أتيحت لأسلافهم الذين كانت حميمية العلاقات مع مصر إحدى ثوابت قناعاتهم.
ومن التبسيط المخل ذهاب البعض إلى اعتبار أن هذه الحملة الإعلامية السودانية القوية ضد مصر إنما هي من بنات أفكار الحكومة السودانية نجحت فيها إلى حد إقناع معارضين لها بالانخراط فيها، وهي مسألة تتجاهل حقيقة أن هناك أسباباً موضوعية تكمن في طبيعة العلاقة بين البلدين التي غلب عليها التوتر أغلب سني الحكم الوطني في السودان لعبت دوراً مهماً في تعبئة الرأي العام السوداني بصورة متزايدة في تحميل مصر مسؤولية هذا التحول في المزاج الشعبي السوداني تجاه العلاقة مع البلد الجارة في ظل ملابسات معقدة طبعت التصورات السودانية، ليس أقلها اتهام قديم معروف في أوساط النخبة السودانية لأشقائهم في شمال الوادي بالتعالي وعدم تحقق الندية في العلاقات بين الدولتين.
ولعل ما قاد إلى هذا الانطباع لدى البعض في مصر، وحتى في السودان من بين منتقدين لحملة التصعيد الإعلامية السودانية، أن السفارة السودانية في القاهرة تخلت ربما للمرة لمرة الأولى عن تحفظها أو تعاطيها بحياء دبلوماسي مشفق على العلاقات الرسمية، لتنخرط في تحركات دبلوماسية نشطة لمتابعة أحوال السودانيين الذين تعرضوا للمضايقات خرجت بها إلى فضاء الإعلام، ولعل ذلك من أثر أسلوب السفير عبد المحمود عبد الحليم الدبلوماسي المخضرم المعروف على نطاق واسع بطبيعته الهجومية الصدامية في ممارسة مهامه الدبلوماسية. وربما شكل علامة فارقة أيضاً خروج الرئيس عمر البشير بتصريح لافت في الأسابيع القليلة الماضية في شأن تأكيد سودانية مثلث حلايب عقب الانتخابات المصرية الأخيرة التي حملت لأول مرة نائباً للبرلمان المصري من المنطقة المتنازع عليها، ولكن جاء بيان وزير الخارجية إبراهيم غندور أمام المجلس الوطني مؤكداً الاعتداءات التي تعرض لها السودانيون في مصر، وجهود الحكومة السودانية لمعالجة الأمر عبر سفارتها دون تبني لهجة تصعيدية ضد القاهرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق